من أجل الضحك والمتعة يداس على كل شيء!!

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد

من تتبع بعض برامج التلفزيون وغيرها من المواد الإعلامية، يجد بأن المقصد الأسمى والغاية العظمى التي شغلت وتشغل القائمين على هذا المجال، هو كيف تُضحك الناس، وتخرج منهم قهقهتهم، وضحكاتهم، ولكما برعت في ذلك وطالت مدة الضحك واستمرت، وسالت الدموع والأنوف من الضحك، إلا وكانت لك حضوة ومكانة والاعتبار، نلت به شهرة واحتراما وتقديرا، وقصدتك القنوات من كل جانب، وطفحت حلقاتك بآلاف وملايين المشاهدات واتجهت لك الأضواء والكاميرات وتناثرت عليك الأوسمة والجوائز، وعقدت لحركاتك وسكناتك وتعبيراتك وكلماتك الندوات واللقاءات، وصرت صالحا لكل شيء، تسال عن السياسة، وعن التربية وعن الدين والأخلاق والسلوك والتاريخ والجغرافيا والفلك والذرة!!!

هذا كله لأنك تتقن فن الضحك والإضحاك، والترفيه والتسلية..

وبما أنه سوق مربح ومزهر فيه الشهرة و (اللعاقة) والخروج من سجن الحرمان والبطالة وفيه تكذيب لمقولة مزعجة منغصة لطالما كررها علينا آباؤنا وأساتذتنا ( إلى ما قريتي أو تعلمتي والله لا طفرتيه ) جاءت رياح الضحك والإضحاك لتكذبها وتفندها، وتقول لها: كذبت، فكم من صاحب نكتة أو ركلة أو هزة خصر أصبح نجما وايقونة وقدوة ومستشارا تتزين به البرامج وتقصده الكاميرات، فأقبل الشباب على برامج الضحك والإضحاك، بكل جد واجتهاد، تاركين خلفهم احلاما كانوا يحلمون بها، بددتها آلام واقع معوز متخلف مظلم في غالب أحواله، وصدت فيه كل أبواب (المعقول) أو وضعت أمامها العراقيل والمطبات، وفتحت فيه كوة هنا وهناك، كتب عليها إن أردت أن تنجد نفسك (تصوفي راسك)، فما عليك إلا أن تُضحِك او تركل أو تهزَّ، وانظر إلى فلان وفلان وفلان أين كانوا وأين صاروا!!!

 

فاتجه الشباب إلى تلك المنصات والبرامج، محاولين ما أمكنهم إضحاك الجمهور بالكلمة والحركة و(الشوهة) بكل ما يمكن، المهم أن يضحك الجمهور ، فهو الغاية والمقصد والهدف، فلا شيء يقف امام هذا المرام، فالإضحاك تخدير للجمهور وإمتاع له وتنسية للغموم والهموم والأولويات، وهو طوق نجاة لأولئك الشباب وباب أمل كالقارب الذي قد يكون قارب موت أو حياة!!، لذلك كلما اضحكت إلا وزدت شهرة وصرت رقما، فأضحك وأضحك وأضحك، ودس على كل شيء فلا قيم تقف امامك، ولا أخلاق تعترضك، ولا ثوابت تقيدك ولا دين يوجهك، فكل شيء يهون من اجل رسم الابتسامة والضحكات على محيى الجمهور، وكلما امعنت في الدوس إلا وكنت حرا وفنانا ومقربا، وكلما استحضرت تلك المحطات والمهمات والأولويات إلا وأبعدت وأهملت، فلا شيء يعلو على الضحك، فالضحك يعلو ولا يعلى عليه..

 

فإذا اعترضت على نكتة فيها خدش للحياء.. قيل لك: إنما كنا نضحك

وإذا اعترضت على مشهد فيها امتهان للمقدس.. قيل لك: إنما كنا نرسم الابتسامة

وإذا نبهت إلى سلوك مناف للقيم.. قيل لك: إنما كنا نمزح

فرسالة المزاح ورسالة الضحك مقدمة على أي رسالة أخرى بشعار: (الضحك الابتسامة الترفيه)

والأمثلة على هذا متواترة طافحة لا تحتاج إلى ذكر أو إشارة!!

ففي برنامج تلفزيوني على قناة وطنية، مخصص للأطفال، يقدمه فنان مشهور بفن الكوميديا والإضحاك، ورسم الابتسامة له قدرة على تنشيط البرنامج وله جمهور ووووو – إلى هنا لا إشكال بالنسبة لي –

ولكن أن تعطاه الحرية في أن يعد المحتوى أو أن يطرح الأسئلة وكأنه عالم التربية والمتخصص فيها وهو في الحقيقة لا علاقة له بذلك لا من قريب ولا من بعيد، من أجل أن تغلب جانب الضحك والإضحاك على جانب التربية والقيم وتدوس بضحكك وإضحاكك السامج على شرايين وعروق الطفولة والبراءة والخلق والقيم، وهذا الفنان أحد ضحايا زمن التخلف وانقلاب الأولويات والمفاهيم الذي نعيشه…

فهذا لا يقبله عاقل حتى أولياء أولئك الأطفال، لو أوقظوا من غفلة وغمرة الكاميرا والشهرة والضحك لما قبلوا تلك المهازل والمخاطر الفظيعة..

فأن تسأل طفلا أسئلة عديمة الفائدة عقيمة الهدف والغاية، أن تسأله: واش تتبغي شي بنت؟ لو وقف السؤال عند هذا الحد لقلنا: يقصد الحب الطفولي الفطري البريئ!! ولكن أن تبني عليه سؤالا آخر وهو: واش بغيتي تتزوج بها؟ أو شكون البنت لي معاك في القسم وبغيتي تتزوج بها؟

لو كان السائل أو من أعد البرنامج منطقيا: ينبغي أن تساله عن الزواج وما هو الزواج؟ وتفاصيل ذلك؟ وأن تجيب عن اسئلته البريئة التي قد يثيرها سؤالك له وتجيب عليها على الهواء مباشرة!!

وأن تسأله سؤالا آخر وقحا سفيها: شكون غادي تفضل أو تحب أكثر مرتك ولا ماماك؟

ما هذه السخافة والسفاهة والتفاهة والوقاحة التي تصنع بمال المواطن في تلفاز المواطن؟

أين المسؤولون والمراقبون ؟

فهل من التربية والتخليق أن تحدث ابنك ذا الاربع سنوات في هذا الشأن وبهذه الأسئلة، وأن تخرجه إخراجا متعمدا من فطرته وبراءته، وميدانه وما يهمه؟ وما عساك أن تجيبه إن استطردت أسئلته بعد أن فتحت هذا الباب العالي الكبير الذي لن يستطيع أن يتحمل رياحه العاتية وسيله العارم الذي سيستأصل براعمه الرقيقة الضعيفة، فتتشوه فطرته وتنقلب عنده المفاهيم وتنشغل ذاكرته ومخيلته بما هو ليس بحاجته الآن، فأين المصلحة من تلكم الأسئلة؟ وأين الحكمة منها؟ وأين المنطق والموضوعية؟ وأين الأخلاق والثوابت؟

 

ولكن كما قلت لك سابقا: من أجل الإضحاك والضحك وجمع ملايين المشاهدات، وصناعة البوز يداس على كل القيم والأخلاق، بل يداس على البراءة والطفولة والفطرة ولتسحقْ كل تلك المعاني الجميلة، ما دام الهدف والغاية الإضحاك والضحك وتحقيق المشاهدات..أما القيم والأخلاق والطفولة والبراءة وبناء الجيل خطوة خطوة وجرعة جرعة، إنما تلكم منغصات لا تذكر ولا تستصحب في منصات الترفيه والمضحكات..!!

وكأنه لا يمكن أن نضحك إلا إذا دسنا على قيمنا وأخلاقنا وطفولتنا وفطرتنا وبراءتنا..

أو يراد منا أن نستمرئ ذلك الدوس حتى نصبح يوما من الدائسين..!

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.