مواقع التواصل.. حُمق الاستخدام

بقلم : سندس سديرة

من منا يُنكر الدورَ الكبير الذي أضحت وسائل التواصل الاجتماعي تؤديه على منصاتها، إذ باتت تعجُ بملايين التغريدات يومياً حول مواضيع شتى، تتصدرها في غالب الأحيان الأوضاع السياسية، خصوصا في المنطقة العربية التي تعيش مرحلة مخاض عسير طال أمده.
لقد تمكنَت بعضُ التغريدات والدعوات في فترة ما من تحريك الشارع في ظل ما عُرف بالربيع العربي، فاحتشد الناس واحتجوا على واقع أرّقهم بعد أن حاصرتهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المُتردية، لكن ذلك لم يُغير من واقعهم شيئا، فالبطالة والفقر والتمهيش هي العناوين الرئيسة لحياتهم. الحقيقةُ اليوم أن تلك المنصات فتحت المجال للجميع بأن يتكلم وينشرَ ما ليس له به علم، إذ تساوى العاقل والأهوج، المتعلم والجاهل، الصغير والكبير، فاختلط الحابل بالنابل، وانتشرت الكثير من الأفكار والتعليقات الغبية التي تنمُ عن جهل كبير، ويصدقها الكثير من البلهاء، فتغيرت السلوكيات وحرفت المبادئ.


لابد للمختصين تصحيح المفاهيم المغلوطة التي زرعت في أذهان رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق التوعية والتثقيف والتعليم، ومن خلال مواقع التواصل نفسها، وبالأدوات ذاتها.

إن شعار التواصل الذي رفعته هذه الوسائل تحول بسبب بعض الحمقى والبلهاء إلى قطيعة وسباب وتنابز وتحريض، فعجت الصفحات بالبذيء من الكلام والمسيء والمغرض، لتتهاوى بدورها الأخلاق وينحدر المستوى إلى القاع. خلف الشاشات التي يُرابطُ فيها بأسماء وصور مستعارة، وملامح تُغير من حين لآخر. وباسم السياسة يُحلل هؤلاء، فينفثون السم على الصفحات، ويوزعون المؤيد والمعارض على مقاعد وهمية صنعوها بإيعاز من جهات خفية توظفهم لصالحها، فأضحت الصفحات حلبات للصراع الحزبي والسياسي والديني.

إن الملفت للانتباه اليوم، هو انتشار الشخصيات الفايسبوكية التي تَدعي العلم والنباهة، والتي نصبت نفسها وصية على المجتمع، فأصبحت توجه الرأي العام وتصنع مؤيديها بسكب وقود الفتنة يمينا وشمالا، دون إعطاء حلول فعلية للمشاكل التي تعانيها المجتمعات العربية، والغريب في الأمر أن لهؤلاء عدد كبير من المتابعين الذين وجدوا أن مشاكلهم قد طرحت علنا، فاعتادوا على متابعتها والتصفيق لناشريها، ظنا منهم أنهم سيصلون إلى حلول حقيقية، حيث يكون باب النقاش مفتوحا على مصراعيه، لكنه غالبا ما يكون عقيما فصَبُّوا بذلك هوسهم بالمتابعة في إناء مليء بالثقوب صُنع بجهل ممنهج، حيث أن التضليل هو الأسلوب المسيطر والمُتعمد. لقد وضعت مواقع التواصل الاجتماعي بكل أشكالها تماسك المجتمعات ومستقبل الأوطان على شفا جرف هار، مما يستدعي تدخلا عاجلا لكف ألسنة النار التي استشرت في العقول وصنعت جيلا تافها يُقاد بكبسة زر.

لقد أضحى أمرا ضروريا أن يجند الأساتذة والمثقفون والخبراء أنفسهم لمجابهة هؤلاء، إذ يقع على مسؤولياتهم تصحيح المفاهيم المغلوطة التي زرعت في أذهان رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق التوعية والتثقيف والتعليم، ومن خلال مواقع التواصل نفسها، وبالأدوات ذاتها، علّ ذلك يحدث التوازن ويضع المتطفلين والجهلة في الخانة التي يستحقون أن يُوضعوا فيها، لأن الحرية الزائدة عن الاحترام سمحت لهم بالاعتقاد أنهم على حق، بينما هم على ضلال، كما جعلت الكثيرين يُصدقونهم ويسيرون خلف أجنداتهم المهلكة للعقول، المدمرة للأخلاق، والهدامة للمجتمعات.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.