المرتزقة و عقيدة الارتزاق

ملاحظة: أكتب وجهة النظر الدينية هذه بعد احجام الجهات المتصدرة كمرجعيات شرعية عن الكلام في الموضوع، وكنت أنتظر مبادرتهم.

بسم الله…
من فترة خرجَ علينا بعض المشايخ، فقالوا لا يجوز أن نُسمي هؤلاء الذين يتركون أرضهم ليقاتلوا لأجل المال فقط في أماكِن أخرى مرتزقة، حتى قال بعضهم أن هذا الفعل (القتال مقابل المال) يدخل في دائرة العمل المباح، كالسفر للتجارة والعمل… وما شابه ذلك من كلام!!!
وقد أخطأوا في ذلِك أيَّما خطأ، لأنَّ الأدلة في الباب واضحة، وأشهرها الحديث الصحيح الذي نحفظه جميعًا من الصِّغَر، «إنّما الأعمال بالنِّيّات، وإنَّما لكل امرىءٍ ما نوى، فمن كانت هِجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأةٍ ينكِحُها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» [والحديثُ متفقٌ عليه]. فمن كانت هجرته (وليس قتاله) لدولاراتٍ يجمعها فهجرته لما هاجر إليه، هذا إن كان الأصل في سبب الهجرة مباحًا، ولكن من قال لكم بأنَّ قصدَ القتال بما فيه من سفكِ الدماء وقتلِ الأنفس البشرية وتعريضِ النفس للتهلكة الأصلُ فيه الإباحة؟! وأي جاهلٍ يقيس ذلِك على طلب الرزق بالطرقِ المباحة؟!
الأصل في الأنفس البشرية حُرمة الدماء، ما لم تحِلَّ بطريقٍ وسبب شرعي صحيح، ولا يصح مباشرة الفعل المفضي إلى ذلك إلّا بنيَّةٍ مَرضِيَّةٍ شرعًا، وفي الحديث المتفَقِ عليه عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري – رضي الله عنه – ، قال: سُئِل رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الرجلِ يُقاتِل شجاعةً، ويُقاتِل حمِيَّةً، ويُقاتِل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلّم-: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله». أي حتى القتال الذي سببه مَرْضيٌ شرعًا إذا خالط الإنسانَ زيغٌ في نيَّتِه فغدت الغنيمةُ التي أحلَّها الله للمجاهدين هي سببَه الأساسي للقتال قبل مرضاة الله، فلا يكون هذا جهادًا في سبيل الله، وإن كانت غنيمةُ المجاهدِ مِن أطيبِ الرِزق والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «جُعِلَ رِزْقي تحت ظِلِّ رِمحي». [البخاري]. ولكن ذلك بعد أن يكون قصد القتال في سبيل الله لا في سبيل المال.

وكذلك أخطأ من قاس ذلك على خروج الصحابة يوم بدر لاعتراض قافلة أبي سفيان، فقياسه باطل لأن الصحابة خرجوا لاستعادة حقوقهم وقطع الطريق على قافِلةِ من سَلبوا أموالَهم، وأخرجوهم مِن ديارِهم، وهم معهم في حالةِ حرب أصلًا، وبأمر النبي الذي ما ينطِقُ عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى….

الخلاصة: إذا كان من قاتل مع النبيّ ولكن لم يُخرجه إلا السعي وراء الغنيمة، لم يعتبر النبيُ -صلّى الله عليه وسلَّم- جهادَه في سبيل الله، وإذا كان من هاجرَ لدنيا يصيبها، قال عنه النبي: فهجرته إلى ما هاجر إليه، فكيف لا نقول #مرتزقة عمن ذهب وترك وطنه ليقاتِل في غيره لا لأجل شيء سوى المال.

وهنا قد يقول القائل مبرِّرًا: الحربُ هناك حربُنا، فحينها سيكون الجواب ببساطة، لو دعيت للقتال هناك بنفس المنحة المادية التي يأخذها المرابط في الشمال السوري، هل كنت ستذهب؟ غالبا سيكون الجواب: لا، ولئن كذبتَ على الخلق أفتكذِبُ على الخالِق!
وحسبنا الله ونعم الوكيل،

طبعا أكرِّرُ التذكير بأنَّ الكلام أعلاه لمن يذهب من الشمال السوري المحرر، أمّا من كان جنديًا في دولةٍ وأرسلته دولتهُ لمصالِح استراتيجية لها، فذلك كما أسلفنا في الرسالة الماضية له حكمٌ آخر وواجبٌ عليه السمع والطاعة فيما لا يُغضبُ الله.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.