بدافع عدم جرح مشاعرهم.. هل يجب أن نكذب على الأطفال؟

تجنب الكذب لا يتعلق بإخبار الطفل بكل شيء دفعة واحدة دائما وإنما بتقديم الحقيقة عندما يكون من الصعب سماعها، مثل موت أحد الأقرباء أو انفصال الوالدين أو أي سر عائلي، ويكون ذلك على مراحل وبجرعات صغيرة تجنبا لتعرض الطفل لصدمة، مع مراعاة قدرته على الاستيعاب. هذا ما خلصت إليه الكاتبة ناتالي سابيرو مانوكيان في تقرير نشرته صحيفة لوفيغارو (lefigaro) الفرنسية.

ومن المعروف أن الآباء والأمهات يودون ترسيخ صفات مثل الصدق لدى أطفالهم، بيد أن ذلك لا يمنعهم من الكذب. فقد يكذب البالغون عن حسن نية مثل عدم الرغبة في جرح مشاعر الآخرين، ولكن لا بد من شرح هذا الأمر للطفل حتى يفهم سبب التناقض بين ما يوصي به الوالدان وما يفعلانه.

ونقلت الدكتورة ناتالي عن أودري بلاتانيا أخصائية علم النفس السريري في مارسيليا أن “هذا الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالأكاذيب التي يقولها الوالدان بشكل متكرر وفي جميع السياقات. فعندما يوصي الوالدان الطفل بتجنب الكذب لكنه يرى أنهما يفعلان ذلك بانتظام، فهذا سيجعله يعيش في تناقض. ونتيجة لذلك، سيحدث اضطراب في عملية التعلم عن طريق المنطق نتيجة الرسائل المتناقضة التي لا توفر معايير يمكن الوثوق بها”.

أكاذيب متكررة يسمعها الأطفال
وبحسب الأخصائية النفسية، فإن الأكاذيب تشوّه الحقيقة، ومن المهم توفير الاتساق والانسجام بين ما يعيشه الطفل والمحيط الذي ينشأ فيه، كما تشكل مشهدا مشوها عن الواقع لدى الطفل يؤثر سلبا على تطور تفكيره المنطقي. إذ يستخدم الأطفال أفكار البالغين لغربلة عناصر المحيط وفهمها. بعبارة أخرى، يساهم البالغون بمساعدة الطفل على إضفاء معنى ومنطق على العالم الذي يحيط به.

وأظهرت دراسة نشرت عام 2019 في مجلة علم نفس الطفل التجريبي أجراها باحثون من سنغافورة وكندا والولايات المتحدة والصين، أن الأكاذيب المتكررة التي يسمعها الأطفال من قبيل “ليس لدينا مال” و”سنعود فيما بعد” أو “إذا لم تعد، سنغادر من دونك”، من شأنها أن تجعلهم في المستقبل عند بلوغهم يتقنون التلاعب بالآخرين.

الاعتياد على الكذب
يؤثر الكذب المتكرر على نشاط اللوزة الدماغية، التي يتمثل دورها في توقع التهديدات. وأظهرت دراسة شملت 80 شخصا وأجراها نيل غاريت المتخصص في علم الأعصاب المعرفي بكلية لندن الجامعية أن الاعتياد على الكذب يجعل الشخص أقل توقعا لعواقب أفعاله. وكلما كذب الشخص أكثر، قلّ نشاط اللوزة الدماغية وتراجع إدراك الشخص لخطورة أكاذيبه.

الكذب والذاكرة المعرفية
وتعتبر أسوأ الأكاذيب وأشدها وطأة على الطفل هي الأسرار التي تخفيها العائلة (مثل عدم معرفة حقيقة أنه متبنى)، أو بعض الحقائق المسكوت عنها، أو تغيير الحقائق.

وتوضح الأخصائية النفسية أودري بلاتانيا أنه “عندما يكون أحد عناصر الحقيقة مخفيا فإن ذلك يسبب تنافرا بين ذاكرة الجسد والذاكرة المعرفية التي تضفي معنى على التجربة المعاشة، وهو ما يؤثر بالتالي على الذاكرة طويلة الأمد. بالنسبة لبعض الأطفال، يترجم هذا التنافر بالخوف من التعلم ومواجهة مشاكل على مستوى الحفظ والتركيز وحرية التفكير. وفي مرحلة المراهقة أو ما قبلها، يمكن أن يواجه الطفل مشاكل في بناء الهوية ما يولد لديه الشعور بعدم الأمان”.

أما بعض الأكاذيب المرتبطة بالتقاليد فلا يمكن شرحها، لأن الأطفال يكتشفون حقيقتها عندما يكبرون. وهي لا ترمز سوى للحب غير المشروط للوالدين على غرار كذبة أن بابا نويل سيجلب للأطفال هدايا عيد الميلاد.

المصدر : لوفيغارو

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.