باحث إسرائيلي يكشف عن وثيقة تاريخية:: «الحكم العسكري» على فلسطينيي الداخل كان يهدف إلى سلب ونهب أراضيهم

كشفت وثيقة أرشيفية أن إسرائيل فرضت الحكم العسكري على الفلسطينيين الناجين من التهجير والمعروفين بفلسطينيي الداخل من نكبة 1948 حتى عام 1966 ليس لدواع أمنية كما كان يزعم، بل من أجل تأمين استيلائها على أراضيهم وسلبهم مقدراتهم.
ومن ضمن الوثائق التاريخية الجديدة التي رفع الحظر عن نشرها، الملحق السري في تقرير أعدته لجنة تحقيق إسرائيلية عرفت بلجنة «رتنر» لشؤون الحكم العسكري عام 1956.
المؤرخ الإسرائيلي الدكتور ادم راز الذي سبق وكشف عن جرائم إسرائيلية تاريخية استنادا على ما يتاح من وثائق أرشيفية، يكشف مجددا عن مآرب «الحكم العسكري « ويستذكر أنه فرض على المتبقين في وطنهم ووجدوا أنفسهم بعد النكبة مواطنين في إسرائيل وبلغ تعدادهم عام 1948 نحو 156 ألف نسمة.
كما ينوه لضم هدنة رودوس في أبريل/ نيسان 1949 مع الأردن 27 قرية فلسطينية من منطقة المثلث من كفر قاسم إلى أم الفحم للسيادة الإسرائيلية.
وخضع العرب الفلسطينيون في المثلث والجليل والنقب للحكم العسكري الذي أقام لهذا الغرض ثلاث مديريات.

أنظمة استعمارية

وخضع للحكم العسكري 85 % من فلسطينيي الداخل 60 % منهم هم سكان الجليل و20 % في المثلث والبقية في النقب ومدن الساحل. ومنع السكان الأصليون من التحرك دون تصريح خاص من الحكم العسكري، وفرض عليهم أيضا اعتقال ليلي. واعتمد «الحكم العسكري» الذي فرض على المواطنين العرب الفلسطينيين على أنظمة الطوارئ الانتدابية التي استخدمت لمراقبة حركتهم والسيطرة في مناطق سكناهم ومنع عودة اللاجئين والمهجرين لديارهم التي طردوا منها.
ومقابل الأهداف الحقيقية يوضح ادم راز أن إسرائيل أوضحت لمواطنيها اليهود أنها فرضت الحكم العسكري من أجل «ردع ومنع عمل معاد من قبل المواطنين العرب ضدها». ويتابع «في الواقع عمق الحكم العسكري الكراهية بين الشعبين وكان هذا فصلا بشعا في التاريخ الإسرائيلي».
ويشير ادم راز لمعارضة بعض أوساط اليسار واليمين الصهيونيين للحكم العسكري بدرجات متفاوتة كحزب «مبام» والحزب الشيوعي الإسرائيلي و «حيروت».
وجاءت هذه المعارضة بعدما أوضحت المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) في خمسينيات القرن الماضي أن المواطنين العرب في إسرائيل لا يشكّلون تهديدا أمنيا عليها.

تمرد العرب

كما يستذكر راز أن لجنة رتنر كانت تشكلت برئاسة الجنرال بالاحتياط البروفيسور يوحنان ريتنر للنظر بضورة الحكم العسكري، وأوصت بعدم تقليص الحكم العسكري . جاءت هذه اللجنة بعدما سبقتها لجنة خاصة شكلها رئيس حكومة إسرائيل الأولى بعد الاحتلال دافيد بن غوريون، وأوصت عام 1949 بضرورة استمرار الحكم العسكري. ويرجح ادم راز أن نتائج هاتين اللجنتين كانت معروفة سلفا، ويدلل على ذلك بالإشارة إلى أقوال أحد أعضاء لجنتي الفحص دانئيل اوستار (رئيس بلدية القدس الأول بعد احتلال 1948) الذي قال إن اللجنة لم تجد مواطنا واحدا من بين المواطنين العرب في إسرائيل مواليا لها». وحينما تعرض بن غوريون لضغوط من أجل إلغاء الحكم العسكري زعم أنه ضروري من أجل منع «تمرد العرب» وأن وجود إسرائيل متعلق بالحكم العسكري، دون أن يتطرق لتقديرات «الشاباك» التي نفت وجود تهديد أمني من جهتهم.
ويشدد الباحث الإسرائيلي آدم راز الذي سبق وفضح خبايا مخطط مذبحة كفر قاسم أنه مع الوقت تبين أن الأمن لم يكن هو الأمر الأساسي لدى مؤيدي الحكم العسكري إنما كان هو الاستيلاء على أراضي المواطنين العرب المتبقية بأيديهم. موضحا أن إسرائيل لهذا الغرض استخدمت البند 125 في أنظمة الطوارئ الذي يتيح للضباط العسكريين إغلاق كل منطقة أو مكان بأمر عسكري.

حرمان العرب من أراضيهم

ويقول راز إن بن غوريون وخلال اجتماع سري لحزبه «مباي» قال بوضوح إنه «لم يكن ممكنا القيام بما قمنا به في الجليل والنقب بدون البند 125 ف»، محذرا من أن الجليل الشمالي نظيف من اليهود وستبقى هذه الحالة إذا لم نمنع الدخول لهذه المناطق الممنوعة بواسطة قوة إدارية وعسكرية استنادا للبند 125 وهذه المناطق بنظر المواطنين العرب تتبع لهم وملكهم وربما قانونيا من ناحيتهم فكل الأراضي هناك عربية».
ويوضح أن هذه المصلحة الوطنية الإسرائيلية تم السكوت عليها ولم يتم التحدث بها كثيرا لأسباب مفهومة، لكن الملحق العسكري الخاص بلجنة رتنر يلقي الضوء هنا على التسويغات الحقيقية لدى قادة دولة الاحتلال وقتها.
ويكشف راز في هذه الوثيقة أن لجنة رتنر اعتقدت أن الجيش وحده لا يستطيع الحفاظ على «أراضي الدولة» التي يمكن صيانتها فقط من خلال «استيطان أمني». ويوضح أن هذه كانت الخلفية لبناء نقاط استيطانية يهودية في ثلاث مناطق تابعة للحكم العسكري. ويقول إن أعضاء لجنة رتنر أكدوا أن منع لاجئي الداخل المعروفين بالمهجرّين من العودة لبيوتهم في القرى المحتلة في النكبة وحيازتهم أراضيهم مجددا قد تم بواسطة الحكم العسكري وإغلاق ديارهم كمناطق عسكرية مغلقة، لأنه لم تكن هناك بعد أداة قانونية تسمح بحرمانهم من عودتهم لديارهم وأراضيهم.
ويشير راز إلى معارضة وزير الأمن بنحاس لافون (1954- 1955) للحكم العسكري ولتقسيم الجليل لـ 46 منطقة مغلقة يحتاج المتنقل بينها لتصريح الحاكم العسكري، لكن لجنة رتنر رفضت توصياته بدعوى أن تقليص عدد هذه المناطق للثلث فقط كما رغب بنحاس سيجعل حركة المواطنين العرب حرة أكثر مما يلزم، وأن ذلك سبق وساعد العرب بالسيطرة على «أراضي الدولة « (أراضي اللاجئين).

القانون العثماني

ويؤكد ادم راز أن لجنة رتنر مارست ما يتعدى صلاحياتها بعد تشكيلها في 1955، ويشمل ملحق تقريرها السري توصيات تفصيلية لتغيير قوانين الأراضي خاصة القانون العثماني من 1856.
وينص القانون العثماني المذكور على أن أي شخص عربيا كان أم يهوديا موجود على أرضه طيلة عشر سنوات يستحق ملكيتها للأبد. كما يتضح من الملحق السري أنه من بين الوظائف المركزية للحكم العسكري أن يكون وسيلة سيطرة على «أراضي الدولة» ريثما يتم الاستيطان اليهودي بها.
ويدلل راز على ذلك بالإشارة لواحدة من توصيات لجنة رتنر التي تقول إنه «حتى مع ترسيخ الاستيطان الأمني في المناطق الاحتياطية المعدة للاستيطان، هناك حاجة لإقامة الحكم العسكري في هذه المناطق وتعزيز أجهزته بحيث يتم تأمين سيطرة على الأرض بيد الدولة».
وأكد أعضاء لجنة رتنر أن الحكم العسكري وسيلة مهمة لمنع «تسلل» العرب للأراضي، داعين لزيادة قبضته وعدم التراخي أمام انتقادات موجهة له.
يشار الى أن لجنة رتنر قدمت تقريرها الرسمي لبن غوريون في 1956 واختلفت مواقف الحكومة حياله، لكن حرب السويس التي شنتها إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه أجلت استمرار التداول بها، ورغم عدم تبنيه رسميا من قبل حكومة الاحتلال فقد شكل أساسا لسياسات الحكم العسكري في السنوات التالية.
وفي 1958 أقيمت لجنة روزنر برئاسة وزير القضاء بنحاس روزنر للتدارس في مصير الحكم العسكري، فاقترحت تعديلات جوهرية عليه، وعمليا اقترحت إبطاله بالكامل، ولذا ليس صدفة أن هذه التوصية بقيت وقتها سرية.
وعن سبب إخفاء توصيات اللجنة طيلة عقود يقول ادم راز إنه وجد تفسيرا لذلك في أرشيف جلسة للحكومة الإسرائيلية عام 1959 وفيها حدد وزير التعليم زلمان اران أن بعض توصيات لجنة روزنر سياسية ولا علاقة لها بالأمن، والأهم قوله: «ينبغي القيام بتهويد الجليل دون الكشف عنه».
ولاحقا شرعت إسرائيل في مطلع سبعينيات القرن الماضي بتهويد الجليل تحت مسمى «تطوير الجليل». وهذا ما أدى لنشوب هبة يوم الأرض عام 1976. ويستذكر راز اعتراف يحيئيل حوريف رئيس لجنة «الملماب» الأمنية السرية بأن الدولة تسعى لتصعيب مهام المؤرخين. وقال في حديث لصحيفة «هآرتس» «إن «الدولة عندما تفرض حجبا على الوثائق التاريخية فإن النشر سيبقى ضعيفا، وحتى عندما يكتب أحدهم إن الحصان أسود فلن يكون ممكنا الإثبات أنه أسود في حال لم يخرج من الحظيرة».

تنظيف الأرشيفات

يشار الى أنه في يوليو/ تموز 2019 كشفت «هآرتس» مساعي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لإخفاء الوثائق التاريخية داخل الأرشيفات.
وقتها نشرت «هآرتس» دراسة لمؤسسة «عكافوت» بينت كيف قام رجال مكتب القيم على الأمن داخل المؤسسة الأمنية، قبل 20 عاما بزيارة الأرشيفات الإسرائيلية وإلزامها بحجب وثائق لها صلة بتاريخ الصراع وبشكل غير قانوني، وعلى خلفية ذلك توجه عشرات من المؤرخين والباحثين لرئيس الوزراء ووزير الأمن وقتها بنيامين نتنياهو من أجل وقف ذلك، لكنهم لم يحظوا بأي رد.
ويؤكد ادم راز أنه من الوثائق التاريخية التي تم التستر عليها ما يتعلق بالحكم العسكري وبسلب ونهب وتدمير القرى الفلسطينية خلال نكبة 1948. كذلك قاموا بحجب وثائق تشمل تصريحات بعض الوزراء حول اللاجئين وعمليات طرد فلسطينيين ومواضيع تتعلق بالمشروع النووي في ديمونا.
ويشير راز الى أن العام الأخير شهد تحسنا ملحوظا من ناحية السماح بالاطلاع على بعض الوثائق التاريخية الخاصة بحياة الشعبين في البلاد «وهي بالمجمل لا تحمل معلومات تغير المعرفة القائمة عن تاريخ العقود الأخيرة، لكنها مهمة من ناحية إلقاء الضوء على أبعاد وجوانب معينة جوهرية في قضايا مختلفة».

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.