فايننشال تايمز: جونسون سيعود سيدا على البرلمان.. فهل سيبقى سيدا على بريطانيا؟

قالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن ما تؤكده نتائج الانتخابات البريطانية هو أن البريكسيت سيحدث، ولكن انتصار بوريس جونسون سيضع مستقبل بريطانيا على المحك. وأشار روبرت سيرمسلي في تعليق كتبه إلى أن جونسون سيعود إلى ويسمنتستر كسيد. وتساءل في بداية تقريره: هل تريد الأخبار السارة أم السيئة؟ الأخبار السارة هي أن المماحكات والشلل السياسي الذي ساد بريطانيا على مدى السنوات الثلاث الماضية قد انتهى، فقد أصبح المسار إلى البريكسيت، سواء كان جيدا أم سيئا، معبدا. وقررت البلاد إدارة ظهرها للاشتراكية المتشددة وأصبح لديها حكومة مستقرة بغالبية.

ويرى الكاتب أن النتائج هي انتصار شخصي عظيم لجونسون. ولكن الأخبار السيئة هي أن البلاد ستكتشف أن “لنخرج من الاتحاد الأوروبي” يحتاج لأكثر من اقتراع في الانتخابات وأن تدفق المشاعر القومية في أسكتلندا ستعيد الدعوات لاستفتاء جديد على الاستقلال عن المملكة المتحدة.

وفي ظل نشوة النصر فالخوف هو أن يحقق المحافظون الخروج من الاتحاد الأوروبي ولكنهم سيخسرون المملكة المتحدة. فقد أصبح البريكسيت واقعا ولن يكون هناك استفتاء ثان عليه. وربما كان شعار جونسون “دعونا ننتهي من البريكسيت” مضللا، ولا يعني نهاية الجزء الأصعب، وكل ما حدث في الانتخابات هو أن النقاش حوله قد انتهى.

ورغم كل هذا ستكون السنوات المقبلة عن تأمين الخروج من الاتحاد الأوروبي ولا تعني بالضرورة عودة السياسة إلى حالتها الطبيعية، بل وسيضاف إليها مشكلة أخرى هي محاولة الحفاظ على أسكتلندا في الاتحاد. وعلى الصعيد الشخصي يمكن لجونسون أن يتفاخر بأن مقامرته حققت أهدافها، وتم إثبات صحة إستراتيجيته ولهذا السبب سيعود إلى مجلس العموم كسيد للمشهد السياسي وأول زعيم محافظ يحقق غالبية منذ مارغريت تاتشر عام 1987.

ستكون السنوات المقبلة عن تأمين الخروج من الاتحاد الأوروبي ولا تعني بالضرورة عودة السياسة إلى حالتها الطبيعية

واستطاع فريق الخروج الذي جمعه حوله إدارة حملة انتخابية منضبطة وفعالة، كما نجحت إستراتيجيته للدفع في مناطق العمال التقليدية في الشمال وميدلاندز التي صوت الناخبون فيها للخروج. واستطاع الفوز بمقاعد يتمتع بها العمال منذ ثلاثينيات القرن الماضي. لكن الثمن دفع في مناطق الداعين للبقاء خاصة في لندن وأسكتلندا. ومزق أعداءه ضد حكومة ضعيفة عاجزة منقسمة قادها جيرمي كوربن وأدت لخسارة فادحة للعمال هي الأسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وهي خسارة تشجب قيادته.

وواجه الحزب صخرتين، الأولى مواقفه المترددة من البريكسيت والثانية شخصية زعيمه وبرنامجه اليساري. ومن هنا خشي كوربن من التحالف مع الداعين للخروج لئلا يخسر قواعده التي دعمت الخروج. وأهم من كل هذا هي أن قواعد الحزب التقليدية لم تؤمن به كرئيس للوزراء. ويعلق الكاتب أن قادة الحزب الذين أكدوا على طهارتهم ووضعوها فوق حاجيات الناس الذي تطلعوا لقيادة منتخبة يعتبر خيانة.

لكل هذا يجب إخراج أتباع كوربن من السيطرة على الحزب ولكنهم لن يتنازلوا بسهولة، حيث سيلقون اللوم على البريكسيت وجماعة توني بلير والإعلام. فيما تلاشت أحلام الليبراليين الديمقراطيين من خلال التأكيد على البقاء نتيجة لحملتهم الضعيفة والتي كلفت زعيمة الحزب جو سوينسون مقعدها. ولم ينتصر إلا الحزب الأسكتلندي الذي سيتأكد من بقاء ملف الاستقلال حاضرا في النقاش السياسي.

وسيحاول جونسون التعجيل بالخروج للوفاء بموعده نهاية كانون الثاني (يناير)، لكنه قد يخفف من موقفه حول تمديد الفترة، خاصة أنه لا يتعرض للضغوط الكبيرة من حزبه. ولكنه سيواجه عاما من المفاوضات الصعبة مع الاتحاد الأوروبي والاتفاق على وضعية بريطانيا وعلاقاتها المستقبلية. وفي الوقت نفسه رحبت الأسواق باليقين السياسي وغياب شبح فوز كوربن، إلا أنها ستظل متأثرة بالبريكسيت.

وستعطي الغالبية في البرلمان مساحة لجونسون للتنفس في المجال المحلي والتركيز على النفقات في مشاريع البنية التحتية. ووعد بأنه سيحكم “أمة واحدة” لكن هذا لا يعني ليبرالية اشتراكية. فقد حصل المحافظون على ناخبين جدد معظمهم من المناطق الفقيرة التي تعتمد على المساعدة الحكومية. فقد ساعد البريكسيت المحافظين على التواصل مع الطبقات الفقيرة والعاملة، ويجب على جونسون الوفاء بوعوده وإنهاء التقشف. فعلى من يريدون الحفاظ على ضريبة أقل ونفقات أقل التعود على المشهد السياسي الجديد.

وعلى جونسون فهم أن حكومته ستظل متأثرة بقوى خارجة عن سيطرته، مثل مفاوضاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي وحملة أسكتلندا للاستقلال. ولم ينته القتال بعد ولكنه بحاجة إلى إستراتيجية جديدة لمواجهة التحديات. وفي النهاية تعد الانتخابات لحظة مهمة لبريطانيا وتعبر عن نهاية بريطانيا كعضو في الاتحاد الأوروبي، والتحدي هو وقف القومية الأسكتلندية تحويل النتائج إلى نهاية للبلد.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.