مفاهيم الخلاف في الحركات الإسلامية

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد

لابد أن نصف الخلاف بوصفه ونضعه في محله ونحرر مناط النزاع ومحله..

مما ينبغي ان تتنبه له الحركة الإسلامية سواء كانت حركة دعوية أو حزبا سياسيا، أنها عند خلافها مع أي تيار آخر سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي:

أن تحدد وصف الخلاف…
فالخلاف قد يكون في الأصول وقد يكون في الفروع، وقد يكون في الفكر وقد يكون في السلوك، وقد يكون في المجال الدعوي أو الاجتماعي أو السياسي، فلابد أن نحدد وصف الخلاف وأن نخبر به ونشيعه ونرسخه في انطباع الاتباع والمناصرين، حتى تنضبط مساحة الخلاف، وامكانية بناء الجسور أو قطع العلاقات تماما، فمن وصفته يوما بأنه خائن عميل لا يمكن أن أصفه فيما بعد بأنه شريف نزيه إلا إذا أعلن ذلك أو ظهر.. وإن كان الخلاف على مستوى السياسة فلتعلن بأنه خلاف سياسي لا علاقة له بالمبادئ والأصول، فذاك شأن آخر حتى لا نخلط الأمور، ومن وصفته يوما بأنه فاسد لا يمكن أن أصفه مرة أخرى بأنه نزيه، أو أن أنسق معه فيما يقتضي الأمانة، ومن وصفته يوما بأنه كذاب وبرهنت على ذلك، لا يمكن بأنه أصفه فيما بعد بأنه صادق أمين، أو أن أنسق معه فيما يقتضي الصدق.. وهكذا…

أن تضع الخلاف في محله..
كذلك ينبغي أن نضع الخلاف في محله، فما كان خلافا في الأصول والثوابت فهو خلاف في الأصول والثوابت، وما كان خلافا في الفروع والخلافيات فهو خلاف في الفروع والخلافيات، وما كان خلافا في المقاصد فهو خلاف في المقاصد، وما هو خلاف في الوسائل فهو خلاف في الوسائل.

أن تحدد مناط الخلاف..
ولا بد من تحديد مناط الخلاف، فلا يكون الخلاف سياسيا ونحمله خلافات أخرى عقدية وفكرية ودينية وسلوكية، وووو، وإن كانت تلك الخلافات واقعية، ولكن لابد من تحرير مناط النزاع والخلاف، كذلك إذا كان الخلاف فرعيا لا نحمله خلافات أخرى أصلية، وإن كانت موجودة!!!، وإن كان الخلاف اجتماعيا فلنقف عند المجال الاجتماعي ولا نقحمه في مجالات أخرى وإن كانت موجودة وهكذا…
والأمثلة على ذلك كثيرة،قد نفصلها في موضع آخر..

فإذا لم تضبط هذه القاعدة كانت لها عواقب جسيمة:

1- فقد الثقة:
وذلك بأنه إن كان مناط الخلاف مجرد سياسة، وأنا قد حملته مناطات أخرى وقد تكون موجودة ولكن لا علاقة لها بمناط هذا الخلاف، فإذا اقتضت الحاجة فيما بعد لتحالف أو تنسيق أو مصالحة، فإن التابع والمناصر والسامع، له عقل به يفكر، وذاكرة تسجل، فإنه في مرحلة ما يفقد الثقة في تلك الحركة وتلك القيادة وتلك المدرسة، لأنها أوهمته بأن الخلاف الفلاني هو خلاف فكري عقدي لايمكن التنازل عنه ومن تنازل عنه فهو كذا وكذا وكذا…وإذا بتلك الحركة وتلك المدرسة تتحالف أو تنسق أو تتصالح مع تلك الجهة، وتعلن بأن الخلاف مجرد خلاف سياسي، وأن الأمر لا يستأهل ذلك التشنج وووو…
وفي مكان آخر تلك تيارا إسلاميا يشن قذائف التبديع والتفسيق والتضليل لتيارات أخرى، ويكيل لها الاتهامات والنعوت القاضيات، ويرى التابع أو المناصر شيخ ذلك التيار أو تلك الطريقة أو الجماعة، يجالس من التجار والأعيان من فيهم نفس تلك الصفات التي ينكرها على خصومه، ويثني عليهم، فيقع له من الشك والتساؤل ما الله به عليم، وإذا أخرج أحد الاتباع والمناصرين رأسه من تحت عباءة ذلك الشيخ أو ذلك التيار، فيجد بأن الخلاف بين تياره وتيارات أخرى، مجرد خلاف فرعي لا يحتمل ذلك التشدد والقطيعة، ويجدهم يعتقدون نفس الاعتقاد وكلهم من رسول الله ملتمس، فيدعو غيره إلى إخراج رأسه، فيقوى تيار فقد الثقة..
وفي مكان آخر

2- الخلط والظلم:
ونقصد بالخلط هو تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم، والعيش في الفوضى الفكرية والسلوكية والأخلاقية، وصبغ بعض الخلافات الشخصية والمصلحية والمادية أحيانا بصبوغ الدين والملة والنصرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يبقى تمييز لا لثابت ولا لمتغير ولا لأصل ولا لفرع، ولا مناط، بل قد يتعاظم الصغير ليزاحم الكبير وقد يتصاغر الكبير ليدوسه الصغير، وهذه الظلمة وهذه الغوغاء التي قد يصورها البعض بأنها قمة الالتزام، وقمة التدين والصلاح والثبات على الدين والسنة، ما هي إلا فقاعة خاوية دواخلها تفجرها أدنى ريح فيسقط كل ما بني عليها..

هذا الخلط يؤدي إلى الظلم، والإقصاء والنبذ والتشتت والتشرذم، وما إلى هنالك من أحوال الضعف والاضطراب وعدم الاستقرار..
لأن تحميل خلاف سياسي صفة العقدية أو لخلاف فرعي خلاف الثوابت، وتحرير مناط الخلاف ما لا يحتمل، يؤدي ذلك إلى الظلم، والخروج عن منهج الله الذي حدده لرسالته..
وظهور هذا الظلم وفشو معالمه يفتح طريقين خارقين لذلك الكيان، طريق تشدد وطريق تمرد..

3- التشدد أو التمرد:
وكلاهما نقيض للآخر ولكن سببهما واحد كما يقول أهل الدعاية والإشهار (2×1) لأن فقدان الثقة يؤدي إلى الترك، وهذا الترك قد يكون جزئيا، بأن يبقى الشخص إسلاميا في تعبيره وتدليله، ولكنه يعتمد على الأوهام والاشباح في إسلاميته، فيأخذونه كل مأخذ إلى التشدد ابتداء بالتبديع وانتهاء بالتكفير، فاقدا الثقة في كل شيء، ولا يرى الحق إلا فيه..
وفئة أخرى بعد فقدها للثقة، تترك تركا كليا، ولكنه على مراتب، فإما إلى حيث لا تدري المسير، بترك كل تلك المفاهيم والمبادئ التي كانت عليها صحيحها وخاطئها، وتصير عاديا غير فاعل ولا صاحب هدف أو غاية، فإذا أبعدت النجعة فإذا أبعدت النجعة قليلا صارت معارضة لكل تلك المفاهيم صحيحها وخاطئها، وقد تستلب من هنا أو هناك وتستغل ضد الفكر الإسلامي عموما، فإذا وصلت أقصاها اختطفها تيار إلحاد أو لادين..

لذلك لابد أن تستدرك الحركة الإسلامية الموقف، وترتب خلافاتها، وتعلن سببها، وتضعها في محالها، قبل أن تتسع خروق فقد الثقة، والتشدد والتمرد، وقبل أن توغل أكثر في غيابات الخلط والظلم والخداع..

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.