الإرهاب بالإرهاب؟!

بقلم الاستاذ محمد جابر

المصدر: جريدة #المشكاة

كان الاستعداد لمعركة تحرير فلسطين أهم مبررات الاستبداد في عالمنا العربي، فالعدو الصهيوني يُمثل فزاعة تستعملها السلطة المستبدة لتُخرس كل صوت مُعارض في الداخل، ولتتهم من يرفع صوته بنقد أدائها بأنه عميل للعدو ويُهدد أمن البلاد.
في يومنا هذا، المسوّغات نفسها تُطرَح، والفرق الوحيد يكمن في ارتدائها حلّةً جديدة تُدعى “الإرهاب”.. فباسم الإرهاب، تُغلَّق المساجد وتُمنع الصلوات وتُزرَع المتاريس وتُطوى سجلّات القوانين الدولية والمحلية. وباسمه، تُفرَز شعوب وفق الجنسية والديانة واللباس والهيئة والصورة. وباسمه يحارب كل من يرفع رأسه بسلسلة لا متناهية من التحريض والكراهية والشيطنة عبر نشرات إخبارية وإنتاجات اعلامية لو وُزِّعت أموالها على الأرض لانقرض الفقر والجوع. وباسم هذا الإرهاب تصمد ديكتاتوريات عربية ويُشرّد آلاف من ديارهم وأوطانهم ويهلّل بشريّون لانتصار الديكتاتور. باسم الإرهاب، تُقاطع وتُعزَل دولة إسلامية وتُساق شكوك واتهامات ضد أخرى، وتتنازع الأمّة في جزئيات لتستكمل تمزيق نفسها. وباسم الإرهاب، يُقتَل موقوفون في سجون التعذيب، وتُنتهك أعراض نساء على مسمع ومرأى من أزواجهنّ المعتقلين بل وينتهك الرجال انفسهم……. وباسم الإرهاب، يتحول حماة الاوطان الى جلادي الوطن والمواطن ويتحول المرتزقة إلى أبطال في اكبر عملية خداع اعلامي في تاريخ البشرية، ولولا ان الامر تجاوز الاعلام الى ملايين الضحايا والماسي لوصفت هذه العملية بالعبقرية.
لو كان فرعون متطلعا على الاساليب الاعلامية التي تستخدم اليوم على ايدي الانظمة الفاسدة المفسدة الموظفة لأعداء الامة وكذلك على يد الاقلام الاجيرة والأبواق الدخيلة، لوصف سيدنا موسى عليه السلام بالإرهابي ووصف دعوته لتحرير قومه من العبودية والذل الذي كان فرعون يسيمهم به العذاب، يذبح ابناءهم ويستحي نساءهم، بدعوة وفكر ارهابي. كذلك الحال لو كان ابو جهل ومن معه من زعماء قريش وصناديدها مطلعين على هذا الاسلوب والطريقة في حرق معارضيهم او منافسيهم او اتباع أي فكرة او مشروع لا يروق لهم، لكانوا وصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه المنتجبين الكرام بالإرهابيين .
الارهاب كحال معركة التحرير، فزاعة وفرية اعلامية هدفها اخافة كل من ينوي التغير او حتى الحديث عن التغير، وبالتالي إبقاء الحال على ما هو مخافة أن يسيطر الارهابيون الذين سيذبحون ويقتلون ويدمرون…..، أو مخافة أن يحتل المحتل البلاد والعباد، وخلال صوت الاستعداد للمعركة (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) أو خلال منع الارهابيين من القتل والدمار المتوقع، لا أحد يسأل عن الاحتلال القائم، سواء كان المباشر أو بواسطة مندوبيه من الحكام والسلاطين….، ولا أحد يسأل عن الذل والهوان والفقر والتعذيب والقتلى وانتهاك كل حق ادمي أو حتى حيواني تنتهكه هذه الانظمة تحت ظل راية محاربة الارهاب المحتمل…. والسؤال من الذي يعطي هذا الحق لأحد من الخلق اسمه زعيم أو ملك أو سلطان أو حزب….. ولعلّ ما كتبه الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله (صاحب البرنامج المشهور العلم والايمان)، في تحليله لأوضاع عصره يدعونا للاعتبار، حيث قال: “كان جمال عبد الناصر يرفع رايات القومية والاشتراكية ويهتف للمواطن المصري: ارفع رأسك يا أخي، فيما الأخير لم يستطع رفع رأسه من طفح المجاري وكرباج المخابرات وخوف المعتقلات… وساد مناخ لا يزدهر فيه إلا كل منافق وتدهورت القيم… وعاش عبد الناصر عشرين عامًا في ضجة إعلامية ومشاريع دعائية حتى استفاق على هزيمة تقسم الظهر وعلى مئة ألف قتيل تحت رمال سيناء… وضاع البلد وضاع المواطن”.
ليس ذلك غريبا على أعداء الأمة، ولكن الغريب أن هذه المصطلحات قد تذوتت في عقول من يُحسبون على هذا الدين وهذه الأمة وأصبح الواحد منهم يرمي بها كل من يخالفه بالراي، وبالتحديد من ينتسبون للتيار والمشروع الإسلامي، حتى إذا قلت لأحدهم قال الله وقال رسوله فيما هو معلوم من الدين بالضرورة ومما جعله هذا الدين العظيم من الحلال البين أو الحرام البين، أو ذكرته بواجب من واجباته نحو الله ونحو دينه أو نحو إخوانه المسلمين، فأمرته بمعروف أو نهيته عن منكر اتهمك بأن لك أفكارا إرهابية أو المصطلح الجديد الذي دخل على ثقافة الناس وألسنتهم “داعشي”… حتى وصل الحال ببعض الذين أُعطوا منابر، وما اكثرهم اليوم، من التجرئ على مسلمات الدين، وقلت جنة أو نار قال ذلك من الارهاب الفكري … يا جاهل إن الذي تحدث عن الجنة والنار والعذاب والنعيم رب السماوات والأرض… وإن كنت تظن أن مشكلتك مع من يذكرون الناس بكلام الله فهذا من تمام جهلك، وإنما مشكلتك الاصيلة مع صاحب الآيات والأحاديث وكفاك بذلك خزيا وعارا .
أصبحنا نرى الكثير من المسلمين من يخشى الحديث عن ذروة سنام الدين خشية أن تلتصق به تهمة الإرهاب، ومنهم من يخشى أن يدفع الصائل (المعتدي على حرماتنا واعراضنا أو أنفسنا أو أموالنا) عن نفسه حتى لا يعطي الفرصة بتصنيفه إرهابيا، مع أن الغرب بلا حرج يتحدث عن التدخل العسكري والحسم بالقوة بلا خجل، بل والحرب الاستباقية. فأصبح من حق الصائل أن يستخدم أفظع وسائل الترهيب من قتل واعتقال وتعذيب للوصول لمأربه تحت سمع وبصر الجميع بلا نكير، وترى السواد الأعظم من البشر يقرّ ذلك سكوتا تحت مسميات التحالف الدولي، التحالف الشرعي، السلطة الشرعية….. وكأن الشرعية هذه ليست بحاجة إلى شريعة وقانون وكافية لتجاوز كل ذلك . بينما المظلوم والمكلوم والمعتدى عليه والمحتل والمغتصب والمهان…. لا بواكي لهم والويل كل الويل لهم إن أبدوا أي اعتراض أو رغبة في التغير … فالتهمة جاهزة بدون محكمة، والقاضي والجلاد واحد، إرهابي، وبذلك يصبح مستباحا بكل شيء، دمه وماله وعرضه……..
طبيعي جداً أن يحاول أعداؤنا وصم كل محاولة لمقاومة مشروعهم بالإرهاب والتطرف، ولكن غير الطبيعي أن يصدق أبناء جلدتنا ذلك، بل يصدق المجلود نفسه أن من يحاول أن يعتق رقبته بالإرهابي..

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.