اننا نُسَلِّك لهم!

بقلم : أدهم شرقاوي

يُحكى أنّ طفلاً صغيراً دخلَ إلى محل الحلاقة، فهمس الحلاقُ للزبون قائلًا: هذا أغبى طفل في العالم، وسأثبتُ لك!
وضع الحلاق دولارًا في يد وخمس سنتات في اليد الأخرى، وبسطهما أمام الطفل ليختار!
وبالفعل أخذ الطفل الخمسة سنتات وخرج من المحل!
عندها قال الحلاق للزبون: أرأيتَ بأم عينك! هذا الأمر يحصل كل يوم!
وعندما خرج الزبون من المحل وجد الطفل عند بائع الآيسكريم يتلذذ بما اشتراه بالسنتات التي حصل عليها من الحلاق
فقال له: لماذا تأخذ الخمس سنتات كل مرة بدل أن تأخذ الدولار!
فقال له الطفل: لأنه في اليوم الذي آخذ فيه الدولار ستنتهي هذه اللعبة!

لا يهمني إن صحّت القصة أم لم تصح، حدثتْ فعلاً أم أُلِّفتْ، المهم هو الدرس الذي تنطوي عليه شأنها شأن آلاف من أشباهها وخذ عندك مثلًا ، حكايا ابن المقفع التي تدور على ألسنة الحيوان في كليلة ودمنة، وشعر أحمد شوقي القصصي، وأساطير الأولين من الإلياذة الإغريقية، إلى الشاهنامة الفارسية، إلى جلجامش البابلية، إلى عروس النيل الفرعونية، إلى طائر الهامة الذي كان العرب يعتقدون أنه يخرج من رأس المقتول ويبقى يصيح: اسقوني، اسقوني، ولا يسكت إلا عند الأخذ بالثأر !

والدرس المستفاد هو أن بعض البشر يعتقدون أنهم أذكياء لدرجة أن الآخرين لا يكتشفون ألاعيبهم، بينما في الحقيقة هم مكشوفون وكوننا “نسلّك لهم” ولا نواجههم بالحقيقة هو أننا نعاملهم بأخلاقنا لا بأخلاقهم، لأننا نعرف أننا متى واجهناهم ستنتهي اللعبة، والنبلاء يتمسكون بالآخرين حتى الرمق الأخير، فأحيانًا إبقاء الأشياء متصدعة أفضل من هدمها، ولكي لا تُهدم علينا أن نعاملهم باستغباء يليق بهم!

إننا حين نُسلّك، ونتغاضى، ونتغافل، فلأن هذا من شيم الكرام، كان يوسف عليه السلام عزيز مصر، ودبّر قصة صواع الملك ليُبقي أخاه بنيامين عنده، فما كان من إخوته إلا أن علّقوا على الحادثة بقولهم: “إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل” ما كفاهم أنهم أبعدوه عن أبيه، وأرادوا قتله، لولا أن تدخل أقلّهم شرًا، وقال: “لا تقتلوا يوسف” عندئذ ألقوه في الجُبّ ليُباع كما العبيد، ثم ها هم يرمونه بتهمة السرقة، ولكنه من نبله لم يُدافع عن نفسه، لأنه لم يُرد أن تنتهي اللعبة قبل موعدها “فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم” وقد كان قادرًا على أن يُبديها!

وما زالت العرب تُعلي من قيمة التغاضي والتغافل والتسليك حتى قالت: سيد قومه المتغابي!

وقد التقط أبو تمام هذا المعنى ونظمه شعرًا يوم قال:
ليس الغبي بسيّدٍ في قومه
لكنّ سيّد قومه المتغابي!

ولأن الفقهاء الأوائل أدركوا باكرًا أن كسب الأشخاص مقدم على كسب المواقف، حضّوا على التغافل، وفي هذا يقول أحمد بن حنبل: تسعة أعشار العافية في التغافل!

ويقول شيخه الشافعي: الكيّس العاقل هو الفطن المتغابي!

رحم الله من تغافل لإبقاء ود، وتغاضى كي لا يقطع علاقة، وسلّكَ كي لا يخسر أحدًا، هؤلاء هم النبلاء حقًا، النبلاء فعلًا، فكونوا نبلاء وسلكوا لهم يرحمكم الله!

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.