تقبل الخسارة

الحمارُ والبستانيُّ!

بقلم : ادهم شرقاوي

يروي “بيدبا” فيلسوفُ الهندِ الشهير في كتابه “خُرافات”، أنَّ حماراً فقدَ ذيله، وكانتْ تلك مُصيبة أليمة الوقعِ عليه، ومُحزِنة! فراحَ يبحثُ عن ذيله في كلِّ مكان، فقد بلغَ به حمقه أنه اعتقدَ أنه إذا عثرَ على ذيلِهِ المقطوع فسيُعيدُ تركيبه مكانه!

وأثناء بحثه عن ذيلِه المفقود، دخلَ بستاناً، ومشى فيه على غير هدى، فكانَ يطأُ المزروعاتِ ويُتلِفُها، ويصطدمِ بنباتِ الذرةِ فيطرحها أرضاً!
وعندما رآهُ البستاني جُنَّ جنونه، فحملَ سكيناً، وتوجَّهَ إليه بسرعة، وقطعَ له أُذنيه، وأخرجَه من البستانِ بالضربِ والرَّكل!
وهكذا فإنَّ الحمار الذي كان يندبُ ضياعَ ذيله من قبل، صارَ عليه الآن أن يندبَ ضياعَ أُذنيه أيضاً!

على المرء أن يتقبلَ خساراته، وأن يعرفَ أن بعضَ الأمورِ لن تعودِ إلى سابِقِ عهدها مهما حاول، وتقبُّلُ الخسارةِ ثقافةٌ ونُضجٌ من لم يتحلَّ بها سيبقى يتجرَّعُ مرارةَ الخسارةِ كل يوم!

علينا أن نعلمَ أن الحياة ليستْ حرباً، وإنَّما هي عدة معارك، وأن خسارةَ معركة لا تعني أبداً خسارة الحرب، ولكن الإنسان إن بقيَ يندبُ خسارةَ معركة واحدة فسينتهي به الأمرُ أن يخسرَ الحربَ كلها، أي حياته!

تقبلُ الخسارة، وفهمُ الواقعِ ومُعطياته، أفضل من العيشِ في الوهم، لأن الإنسان الذي يفهم أن الفشل مرة هو درس عليه أن يتعلمه ثم يطوي الصفحةَ غالباً ما يُحققُ نجاحاً بعد ذلك، وفي هذا يقولُ نيلسون مانديلا: أنا لا أخسر أبداً، إما أن أربح أو أتعلم!

في غزوةِ مؤتة استشهدَ قادةُ الجيشِ الثلاثة الذين جعلهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على رأسِ الجيش، زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة ارتقوا في سبيلِ الله في الساعاتِ الأولى للمعركة، فلم يجد المسلمون أقدر من خالد بن الوليد لتوليتِهِ أمر الجيشَ وكان حديث العهدِ بالإسلام!

نظرَ خالد في موازين القوى، وعرفَ بحنكته العسكرية أن الاستمرار في القتال هو انتحار، فدبَّرَ خطةَ انسحابٍ ما زالتْ حتى اليوم تُدرَّسُ في الكلياتِ العسكرية!
وعندما عادَ الجيشُ إلى المدينةِ قالَ لهم الناس: أنتم الفُرَّار أي الهاربون!
فقالَ لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بل أنتم الكُرَّار، أي الفُرسان الشجعان.
كان نبياً يفيضُ بالحكمةِ، وفهمِ الواقع!
لحظةُ فهمٍ من خالد للواقع، انسحابه التكتيكي هو الذي حمى جيشَ المُسلمين من الإبادة!
فتقبَّلوا خساراتِكُم!

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.