الوصف ب(العالم) بين الإنصاف والإجحاف

الوصف بالعالم له إطلاقان :

إطلاق علمي وإطلاق عرفي
فالإطلاق العلمي: المقصود به حصول الملكة العلمية في تخصص من التخصصات إذا أضفنا الوصف إلى تخصص، أو الملكة العلمية والدراية والقدرة على تدريس وتعليم والاجتهاد في زمرة من العلوم كعلوم الشريعة أو علوم الرياضيات أو علوم الطب…

وهذا التوصيف قد يكون نادرا في زماننا هذا لتشعب التخصصات وتدققها حتى أصبحت الدقائق علوما في حد ذاتها، لذلك التجأ الناس إلى التخصص من جهة والتجمع من جهة أخرى وهذا توجه سديد موفق..

والإطلاق الثاني: هو العرفي ويطلق إطلاقان:

لكل ذي علم ويعرف ذلك من خلال هندامه أو دروسه أو وعظه أو كتاباته فيقال: العالم فلان..

أو يقصد به في الغالب الثناء والمدح فيقال: فلان عالم أي متمكن مما يقول وما يدرس مجتهد متق لا يدلس ولا يكذب ولا يحرف، بغض النظر عن تحقق شروط العالم فيه بضاعة وتمكنا واتساعا..

قد يطلق على من وافق في الاتجاه أو المذهب أو الفكرة أو التجمع وإن لم تتوفر فيه شروط العالم العلمية الدقيقة..
وهنا ينبغي أن نقف وقفات سريعات:

الوقفة الأولى: ليس كل وصف بالعالم لشخص يعتبر ثناء له ومدحا له وتزكية له: فمن أعلم الخلق وقد يكون أعلمهم إبليس، يدرك دقائق علوم الشريعة وتفاصيل علوم النفس، وخفايا علم السياسة وأسرار علوم الاقتصاد، يعرف ذلك من خلال وساوسه واحناكه واستفزازه ومشاركته..
وبالتالي علم نعمة ومصلحة وقد دعا إلى الوحي وحث عليها، ولكن ما تبعها العمل ولو ببطء وما استثمرت فيما وجدت له، وما استصحبت بالنيات الطاهرة الصالحة..

الوقفة الثانية: ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم )
قد نصف من خالف او ضل أو زل أو دلس بأنه عالم تحقيقا لقوله تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ولكن مع بيان خطئه والتشنيع عليه فيما اخطأ او تعمد أو زل أو دلس او كذب او افترى، فهو عالم ضل، وهذا والعياذ بالله أخطر وانكر من أن يكون تعمد الضلال والإصرار عليه بغير علم، ولا نظن بأننا إذا نفينا عنه صفة العالم قد زدنا تشنيعا عليه..فهو عالم ضل، نسأل الله السلامة والعافية.

الوقفة الثالثة: لا يشترط في الوصف بالعالم الحصول على الشهادات الأكاديمية خاصة في العلوم الشرعية:
فكم من نحرير وإمام ومجتهد لم يسلك تلك الدروب وهو عالم بشهادة دكاترة وبروفسورات تلك المسالك، بل قد يكون في مصاف شيوخهم أو استفادوا منه أو راجع ابحاثهم التي حصلوا بها على شهاداتهم، هذا ليس تنقيصا او تبخيسا للأكاديمية الشرعية، ولكننا نعرف ضعف تلك الأكاديمية وأنها بالاعتماد عليها لا تخرج علماء، وكذلك لوجود علماء حقيقين لم يلتحقوا بها..
والظلم أن نقول فلان ليس بعالم لأنه لم يدرس دراسة أكاديمية..
ومن الظلم أن نبخس خريجي الدراسات الأكاديمية بشكل مطلق..
والإنصاف أن نثبت العلم لمن تمكن..

كذلك لا ينبغي أن يكون قدحنا في علم شخص – وأقصد العلوم الشرعية – لأنه درس تخصصا آخر قبل او بعد دراسته للعلوم الشرعية أو لعلم من علومها، لأن الامر ممكن ومتاح والعلم والتعلم ليس حكرا على احد ولا على عمر ولا على مذهب او قطر أو طائفة.. فلا نقول: فلان ليس بعالم لأنه خريج هندسة أو طب أو تجارة أو او …
ألا يمكن أن يكون قد درس العلوم الشرعية بالموازاة أو فيما بعد أو قبل ذلك!!

الوقفة الرابعة: أحيانا يقع في الوصف بالعالم ازدواجية مقصودة أو غير مقصودة..
فقد يكون الشخص من الجماعة او على نفس المذهب او الطائفة او يحمل نفس الفكرة، وقد يوصف بالعالم وبثناءات أخرى وإن لم تتوفر فيه شروط العالم العلمية، قد يكون مجرد خطيب، او باحثا أو مدرسا أو خريج تخصص آخر مع دراسة للعلوم الشرعية أو ليس له شيوخ…
وقد يكون شخص آخر بنفس المؤهلات أو صفات الشخص السابق، إلا أنه من جماعة أخرى او مذهب آخر او طائفة أخرى، أويحمل فكرة أخرى، فتنزع عنه صفة العالم او لا يوصف بها بحجة انه مجرد واعظ أو خطيب أو داعية أو خريج هندسة او تجارة أو ليس له شيوخ…

وهنا ينبغي أن نتبرأ من هذه الازدواجية أو ننصرف عنها، وننصف ونعدل ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) فلا يعقل ان يوصف شخص بكونه عالم نحريرا عقودا من الزمن فإذا أخطأ أو ضل أو انحرف قيل عنه: ذاك مجرد جاهل أو ليس عالما أو ومن قال أنه عالم..
هذا ظلم وحيف وتشكيك وتشكك وتدليس آخر يراد أن يكافح به ذلك التدليس او الضلال..

وكم كان اسلافنا منصفين في هذا الأمر يميزون بين العلم والطائفة او المذهب والموقف، وكتب التراجم مليئة بهذا الإنصاف، وقد اخذوا الحديث واللغة عن المعتزلة والخوارج والشيعة فأثنوا عليهم في تخصصهم واثبتوا لهم علمهم، وذموا مذهبهم وموقفهم..
الحق ان نقول فلان عالم ولكن ضل في هذا الأمر ونردف ذلك بقولنا: نسأل الله السلامة والعافية..

ختاما على طلبة العلم والباحثين والعلماء والمتخصصين أن يعلموا خطر ومسؤولية ما يحملون، وأن أي علم لا يتبعه عمل او محاولة عمل واستثمار، فهو شنار وعار وإن ظهر في صورة تصدير وتقدير وثناء وتشييخ ودكترة، وأن الزلل والضلال قاب قوس كل شخص إلا من شملته رحمات التوفيق والسداد..

اللهم أصلحنا وأصلح بنا، واهدنا واهد بنا

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.