حركة حماس وإيران

بقلم :إحسان.الفقيه.

من أصعب الأمور على النفس في هذه الأيام أن بعض الثوار السوريين لا يستطيعون أن يفرحوا بالانتصارات الأخيرة في فلسطين والتي تحققت بفضل رباط وثبات المقدسيين وبفضل حسن قيادة حماس للمعركة والإعداد الطويل المسبق وبفضل الدعم الكبير الذي قام به أبناء الأمة الأحرار في شتى أقطارها من اعتصامات ومشاركات ودعاء وغير ذلك من أشكال الدعم كالمال والتواصل.
لكن فرحة الكثير من الأحرار اختفت في لحظة وتحولت إلى غصة في حلوقهم وحنق في نفوسهم بعد أن قام بعض القادة في حماس مثل إسماعيل هنية وأبو عبيدة بشكر إيران على دعم الحركة بالمال والسلاح.

وبرأيي أن هؤلاء الأحرار معذورون في ذلك، فما لاقيناه كشعوب عربية مسلمة من إيران كان عظيماً جداً، إيران ليست داعمة لنظام الأسد المجرم بل هي شريكته في الإجرام، هي عدو أصيل لنا يفوق عداوتنا لروسيا ولغيرها من الدول التي دعمت نظام الأسد.

عدواتنا معها تاريخية، دينية، مجتمعية، وخطرها عظيم لأنها لا تكتفي بتحقيق مصالح اقتصادية أو جيوسياسية في سورية بل تتغلغل في المجتمع السوري، وتجنّس الإيرانيين، وتنشر التشيع ، وخطر ذلك كبير مديد.

ولا أشك في أن الأحرار في سورية بعمومهم يحبون حماس في دواخلهم، لكن التصريحات التي خرجت مؤخراً من قادتها بل وخرجت مثيلاتها في فترات سابقة وأشد منها، كتسمية المجرم قاسم سليماني بشهيد القدس، جعلت السوريين لا يستطيعون أن يستوعبوا كيف تكون حماس قوة سنّية مجاهدة من هذه الأمة وهي في نفس الوقت تثني على إحدى أشد الدول المعادية لها.

لذلك أحب أن أشير إلى عدة نقاط ربما يجهلها البعض أو ينساها آخرون وهي:

_ كل قوة تحرر لا يمكن أن توجد وتستمر في عملها بدون وجود حليف إقليمي يدعمها ويساندها، والحليف الإقليمي لحماس هو إيران، ولطالما قال قادتها لو أننا وجدنا دعماً لنا من محيطنا العربي والإسلامي لما ذهبنا إلى غيره، لكن للأسف جميع الدول خذلت حماس حتى اضطرتها إلى التحالف مع إيران.

_ تحالف حماس مع إيران تحالف سياسي عسكري في ملفٍ واحدٍ محددٍ وواضح، وليس تحالفاً عميقاً في كل الأمور، فحماس لم تقدم أي خدمةٍ لإيران (سياسية أو عسكرية) في مشروعها التوسعي في الدول العربية.

_ يظهر لنا كمراقبين خارجيين أن الاتفاق بين حماس وإيران له خطوط عريضة هي:
تلتزم إيران بتقديم الدعم لحماس على صعيد السياسة والمال والسلاح والتقنية، مقابل أن تعتبر حماس إيران في المواقف الرسمية داعماً لها ويتجلى ذلك بشكرها والثناء عليها وأمور من هذا القبيل.
ومن الواضح لنا أن الأمر لا يتعدى ذلك.

_ ومن الأدلة على أنه لا يتعدى ذلك أمور عديدة منها:

=القرار في حماس قرار مستقل لا يتبع لإيران لا في السلم ولا في الحرب، صرح قادة حماس بذلك وهذا ما يظهر للمتابع.

= تحالف حماس مع إيران عمره عقود، ومع ذلك لا يوجد حتى اليوم حوزة شيعية أو حسينية واحدة في غزة، بل لا يوجد شيعي واحد في غزة.
وهذا يعني أن الاتفاق لا يسمح لإيران بنشر التشيع في غزة نهائياً، كما هو الحال في عدة بلدان عربية تتوسع فيها إيران كسورية ولبنان والعراق واليمن.

= لا توجد أية شخصية من قيادة حماس تقيم على الأراضي الإيرانية، ولا يوجد لديها أية مؤسسات هناك، على عكس ما عليه الحال في تركيا وقطر ولبنان وغيرها من الدول، وهذا مؤشر على أن العلاقة بين الطرفين لها محددات لا تتجاوزها.

= حماس لا ترسل أية بعثات تعليمية لطلابها إلى إيران ليدرسوا هناك، كما تفعل مع تركيا وماليزيا وإندونيسيا مثلاً، أي أن الاتفاق السياسي العسكري المحدد بهذا الملف لا ينتج عنه أي تبادل ثقافي.

= يعلم أهل غزة جيداً أن نشر التشيع محظور تماماً كسائر الأفكار المنحرفة، بل يعتبر من أشدها، ويعاقب من يفعل ذلك.

= المجتمع الغزي على الرغم من عقود من تحالف حماس مع إيران يعلم خبثها وخطرها، ويعلم انحراف الشيعة وهذا يدرس في معاهدهم ومساجدهم.

= أعرف عدة أخوة من حركة حماس على درجات قيادية مختلفة، لم أسمع منهم يوماً في مجلس خاص أو عام أي ثناء على إيران أو دفاع عنها، بل هذا مقتصر على المواقف الرسمية بموجب الاتفاق.

_ ترى حماس أن التعامل مع إيران من باب الاضطرار، فكما يجوز للمشفق من الموت أن يأكل لحم الميتة، فهي ترى أن قطع علاقتها مع إيران – في هذه المرحلة على الأقل _ هو تهديد وجودي لها.

_ كمراقبين خارجيين نرى أن بعض التصريحات التي تخرج من قادة حماس تتجاوز حد الاضطرار، بل تخرج من أكل لحم الميتة إلى إقامة حفل شواء عليه، لكننا لا نستطيع أن نجزم بذلك، فقد يكون هذا الحد من التصريحات هو المطلوب تماماً، كما قد يكون ذلك خطأً من بعض القيادات، لا يستطيع أن يحكم بذلك إلا المطلع على أسرار التواصل.

_ جميع الأحرار العقلاء في أمتنا لو خيرتهم بين:

أن تشكر حماس إيران في بعض تصريحاتها، أو أن يقفل عليها الطوق تماماً وتمنع عنها المساعدات الإيرانية من أسلحة ومواد تصنيع، لتسقط غزة بعد ذلك بيد إسرائيل وتستباح كلها وتكسر أكبر شوكة للفلسطينيين في تاريخ جهادهم، لاختاروا الخيار الأول.
ولا أعتقد أن عاقلاً يظن أن حماس تشكر إيران حباً فيها أو قناعة بها.
ببساطة شديدة، حماس تعلم جيداً أكثر ممن ينتقدها أن ما تفعله خطأ كبير، وضرر شديد لكنه أهون من الضرر الأكبر.

_ حماس كانت مع الثورة السورية منذ بدايتها ولولا صدقها وصدق قادتها لما فعلت ذلك، فلم يكن لديها أية مصلحة استراتيحية سياسية أو عسكرية في هذا الموقف، بل نعلم جميعاً أن حماس تصرح دائماً أنها لا تتدخل في شؤون الدول العربية، ومع ذلك انحازت إلى الثورة، ودفعت نتيجة موقفها هذا الكثير، ولولا أنها خرجت خارج سورية في توقيت مناسب لربما دفعت أكثر بكثير، فنظام الأسد المجرم كان من الداعمين الحقيقيين لحماس، لكنها تخلت عنه وخسرت دعمه وكسبت عداوته في سبيل انحيازها إلى الشعب السوري وثورته.

إخوانكم المجاهدون في حركة حماس ليسوا في حالة رفاهية، يتخيرون بها حلفاءهم، بل هم في ضيق شديد وحصار خانق وعدو يمثل مصالح القوى العظمى في العالم ودول عربية خائنة، وهم رغم كل ذلك يبنون تنظيمهم ويخوضون معارك الأمة ويحققون الانتصارات.

فافرحوا لانتصاراتهم، وادعوا لهم بالثبات والتمكين والقوة حتى يتخلوا عن عدو الأمة، وشاركوهم معاركهم، ولو آلمتكم بعض تصريحات قادتهم.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة