غزة تنتصر

انتصارات غزة(1)

انتصرت غزة على الوهم
ذلك الوهم الذي تسرب إلى النفوس والعقول الخاوية والطاوية على جوع التخلف والتردي والانهزام الداخلي، الذي صدق مقولة الجيش الذي لا يقهر، وروجها ورددها وحاول ترسيخها واعتبارها امرا واقعا راسخا لا تبديل له ولا مراجعة، هذا الوهم الذي عشش في نفوس أجيال مضت، ترى ان الاستكانة والاستسلام والخنوع والخضوع هي بر الأمان وملاذ استجداء الحياة..
هذا الوهم الذي كاد ان يصبح حقيقة وواقعا، جاءت غزة لتبدده وتبين حقيقته بشكل عملي معجز منقطع النظير، وبعيد عن التنظير الأجوف..
جاءت لتقول من سار على الدرب وصل..
لتقول (ان تنصروا الله ينصركم)

انتصرت غزة على العجز
لا طاقة لنا بصه-يون وجنوده
لن ندخلها حتى يخرجوا منها
لن ندخلها ابدا ما داموا فيها
اي قاع وصلنا إليه حتى صرنا نردد كلمات العجز التي قالها اجداد هذه الشرذمة من الصهاينة المجرمين، وأي حضيض انحدرنا إليه حين رضينا بهذا العجز وهذا الخمول والتقهقر والتراجع والتردي، والميل إلى الاستسلام دون ادنى محاولة او مناورة.
كلمات عجز نثرت وحيكت لها تمثيليات حروب، لنصل إليها راغمين مصدقين مذعنين لا يمكن إبطالها ولا نقضها، (دي إس-رائيل… دي أمريكا) كما قالها كبيرهم الذي علمهم العجز..
جاءت غزة لتمزق كل ذلك السيناريو العجزي والتعجيزي، وتطرد كل أولئك الكومبارص وتكتب قصة جديدة وسيناريو جديدا بدماء وتضحيات العزة والكرامة، شعاره الإقدام ودثاره العزم والحزم..
فلا عجز بعد اليوم ولا استكانة ولا استسلام
جاءت لتقول ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
جاءت لتعلن( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)

انتصرت غزة على الإرهاب
إرهاب النفوس والقلوب والتحركات والسكنات
إرهاب الإعلام والصورة والمشهد والفيلم
إرهاب (إذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا)
إرهاب ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا )
إرهاب ( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)
هذا الإرهاب الذي بث ويبث بطرق متنوعة، لتصنع تلك الهالة والتصنيم والتأليه لمن يقود العالم اليوم، وللص-هاينة بالذات فهم المطلعون الاقوياء المرعبون، الذين يعلمون خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإياك ان تتكلم، وإياك ان تتحرك، وإياك ان تكتب، وإياك ان تعترض، وإياك ان تقاوم، وإياك أن تحلم، وإياك ان تتخيل، وإياك أن تخطط، وإياك وإياك وإياك…
إرهاب وترهيب تسلل إلى النفوس والقلوب والتصورات حتى عاش الناس كابوسا وإرهابا وصنعوا لذلك امثالا (دير راسك بين الروس وعيط أقطاع الروس)
جاءت غزة لتفرقع تلك الهالة، وتبدد شيئا من ذلك الإرهاب وتقول (اقض ما انت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)
لتقول (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)
لتؤكد (من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا)
لتؤكد بأن القوة والقيومية الوحيد المطلقة في هذا العالم هي قوة وقيومية خالقه، فمن اراد القوة الحقيقية فليستمدها من مصدرها، فإن تشبع بها بدت له كل تلك القوى مجرد خشب مسندة وهالات خاوية..

انتصرت غزة على العمالة
(نخشى ان تصيبنا دائرة)
تلك العمالة التي صنعت على عين الصه-يونية، انتقلت من مرحلة شراء الذمم، إلى مرحلة التمكين لتلك المشتريات، وبعدها صناعة اولئك العملاء وتربيتهم وإعدادهم إعدادا عَمَاليا خيانيا محكما، مطهرا من أي وطنية أو إسلامية او نخوة او شهامة أو قيم أو أخلاق، او موظفا لهذه القيم النقية العليا في مخططات عمالته ونذالته..
هذه العمالة التي شغلها الشاغل تنفيد مخططات الاسياد، وتفعيلها ومتابعة ذلك والمناورة من أجله، دون ملل او كلل..
هذه العمالة التي غيرت المفاهيم والمصطلحات، فصار العدو صديقا والمحتل جارا والتطبيع تعايشا والمقاومة إرهابا، وفلسطين المحتلة إس-رائ-يل، والاستسلام سلاما..
جاءت غزة لتبعثر كل تلك الاوراق والمخططات التي كادت ان تصدق وتنطلي، جاءت لترد كثيرا من تلك المفاهيم إلى نصابها وحقائقها، جاءت لتذكر ب( يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ولتذكر ب( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) لتقول ( ولله العزة ولرسوله وللمومنين، ولكن المنافقين لا يعلمون)
لتقول (اهؤلاء الذين اقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت اعمالهم فأصبحوا خاسرين)
لتؤكد (فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)

انتصرت غزة على التمني
(وغرتكم الأماني)
(تلك امانيهم)
(ليس بأمانيكم)
تلك الأحلام الوردية التي عاشتها الأمة وتعيشها إلى زماننا، تريد ان توقظ عمر بن الخطاب من قبره، وتتمنى عودة لصالح الدين، وتظن بان المعتصم لا زال على عرش بغداد، لتناديه (وا معتصماه)
تلك الاماني في الخيرية التي لا تعتمد على معايير حاضرة واضحة، حتى صيرنا كنتم في ( كنتم خير امة) للماضي وليس للتحقق والاستمرار كما يجب وينبغي..
تلك الأماني التي ترفع أيديها داعية طالبة للنصرة دون حركة ولا تضحية، تريد ان تعيش حلاوة الإسلام، دون مرارة الصبر والبذل..تريد تتويجا دون تاج مستحق..
هكذا هي حالة التمني والاماني التي عاشت وعششت في النفوس والعقول والوجدان، فسلبتنا قرونا طويلة والبساط يسحب من تحت اقدامنا، حتى سقطنا على الارض لا نسأل ولا نستشار فيما يخصنا وفيما يخص عالمنا وغيرنا..
جاءت غزة لتململ ذلك الجسد الحالم، وتحرك ذلك العقل المسلوب المنتشي، وتعيد النشاط لذلك الجثمان الخامل، وتقول له (اعمل بالاسباب وكانها كل شيء، وتوكل على رب الاسباب وكانها ليست بشيء)
لتذكره ب( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )
لتهمس في اذنه بأن تذكر الامجاد والبطولات ينبغي ان يكون حافزا على الاقتداء والاقتفاء وبعث الروح والأمل والإقدام..

انتصرت غزة على التهور والاستعجال
(اعجلتم امر ربكم)
(هلك المتنطعون)
ذلك التهور الذي يظهر على صورة الحرص والحرقة والرغبة والتوكل، وهو في الحقيقة جهل وتهور واستعجال وتخبط وضعف وقصر نفس..
ذلك الاستعجال الذي لا يحترم السنن والقوانين الإلهية القدرية والشرعية..
ذلك الاستعجال الذي لا يخطط ولا يدرس ولا يتعلم ولا يتامل ولا يتدبر ولا يرى ولا ينظر ولا يسمع ولا يعتبر فيعطل حواسه وعقله..
ذلك الاستعجال الذي لا يستفيد من تاريخه، ولا يستجلب قواعد النصر والتمكين ولا يبحث عن دوافع الانحطاط والتخلف..
ذلك الاستعجال الذي يدوس على كل عمل بالاسباب صغيرها وكبيرها مباشرها وغير المباشر، الآني والمآلي..
ذلك الاستعجال الذي يضرب بمقاصد الشرع عرض الحائط، دون نظر ولا تامل، بل يعتبر ذلك خنوعا وانحرافا وتمييعا..
جاءت غزة بتاريخها الجهادي المقاوم، لتعلمنا درسا في الصبر والمصابرة والتاني والمثابرة، والعمل بالمتاح من الاسباب، وعدم حرق المسافات، وتجاوز المراحل..
جاءت لتشير إلى نواة عمل حضاري يطرق كل الابواب ويفعل الممكن من الإمكانات، ويعمل كل الخبرات، ويشرك كل الطاقات..يقاوم بيد ويبني بيد رغم كل الإكراهات والمؤامرات والمخططات، يواجه حيث تجب المواجهة، ويهادن حيث يرى المهادنة، ويقتحم كل أساليب الجهاد العلمية والعملية رغم قلة بل انعدام ذات اليد..
فلا ينبغي ان تتجه انظارنا إلى غزة مناصرين في الأزمة او فرحين بالنصر، فحسب، بل ينبغي ان نتجه لها في محطات مسيرة جهادية بنائية مستمرة لا تقف ولا تتوقف، متعلمين ومستفيدين ومساندين..
جاءت غزة لتعلمنا (يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)

هذا ما وفقت لتدوينه من تلك الانتصارات، وهناك انتصارات اخرى اتناولها في مقال لاحق وهي:

انتصرت غزة على التواكل
انتصرت غزة على انتظار المخلص
انتصرت غزة على العنترية
انتصرت غزة على انكفاء على الذات وعليكم انفسكم

والمجال مفتوح لتامل وتدبر انتصارات غزة العزة

سفيان ابوزيد

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.