الازدواجية في الأخلاق

الجـــزء الثـــاني ..

ومن مظاهر الأزدواجية أيضا أن ترى بعض الشباب يعجبك حسن مظهره ، ويجذبك سحر عطره ، وتصفيف شعره ،

ولولا الحياء لأطنبت في الوصف مما ترى وتشاهد على بعض شبابنا هذه الأيام من حرص على المظاهر والأشكال ،

ومع ذلك ترى انحراف في السلوك والأخلاق فلا مانع لديه أن يكذب وأن يلعن ويشتم وربما يزني ويسرق أو يغش ويخدع ،

لا مانع لديه أن يتخلى عن دينه وأخلاقه من أجل شهوة ،

فأفسد المسكين جمال الظاهر وجمال الباطن.

أيها الشاب ليس الإنسان إنسانا بجسمه وصورته لا والله ، ولا بثيابه ومظهره ،

بل هو إنسان بروحه وعقله وخُلقه وخَلقِه

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته
أتعبت نفسك في ما فيه خسرانُ

أقبل على النفس وأستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ

أيها الشاب ، هل ينفع الفتيان حسن وجوههم إذا كانت الأخلاق غير حسان، إن في قلبك فطرة الخير ففتش عنها وأشعل جذوة الخير فيها.

أيها_الشاب : إن من تمام سعادتنا أن نتمتع بمباهج الحياة وشهواتها،

لكن في حدود الشرع ( وأبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنسى نصيبك من الدنيا).

أيها_الشاب : كن رجلاً رجلَه في الثرى وهامة همتَه في الثريا،

وتجمّل بمكارم الأخلاق والآداب فإنها زينة الرجال.

ومن الأزدواجية في الأخلاق أولئك الذين نرى عليهم أثر الصلاح وسيما الخير،

ثم نراهم في أفعالهم وتصرفاتهم يناقضون تلك السمات والآثار ، حتى أصبحوا فتنة لغيرهم ..

فأنت لا تسيء لنفسك فقط ، بل لنفسك ولغيرك بل وربما لدينك ،

فإن من يرى سوء الأخلاق منك فسيقول هذه أخلاق الصالحين ، وهذا هو الالتزام الذي يذكرون ،

فعلى هذا وأمثاله أن يراجعوا صلاحهم فقد لا يكون لهم من الصلاح إلا الاسم والرسم.

مدحوا عند الفضيل ابن عياض رجلا وقالوا إنه لا يأكل الخبيص ، فقال رحمه الله (وما ترك أكل الخبيص؟

انظروا كيف صلته للرحم ، انظروا كيف كضمه للغيظ ، انظروا كيف عطفه على الجار والأرملة والمسكين ، انظروا كيف حسن خلقه مع إخوانه) انتهى كلامه.

قل لي بربك أيها القدوة هل الاستقامة مظهر فقط؟

أم هي حسن تعامل مع فئة من الناس فقط؟

أم أنها سلوك منك وحسن تعامل مع الناس في كل شيء وفي جميع الأحوال ،..

ففي الحديث الصحيح : ( أعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق) .

أخرجه الترمذي وابن ماجة.

قال ابن القيم في الفوائد : (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق في هذا الحديث لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقِه ،

فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته) انتهى كلامه رحمه الله.

ويجب التنبه هنا لأمر مهم اختلط على كثير من الناس إما جهلا وهو الغالب أو بقصد من قلب فيه دخنٌ ودغل وهو قليل جدا إن شاء الله.

أيها الأخوة إن تخلى المسلمون عن أخلاقهم ومبادئ عقيدتهم ..

فليس معنى هذا أن نتهم الإسلام ، أو نتردد بالإلتزام بتعاليمه وشرائعه ،

وإلا فما معنى أن يحكم أناس مسلمون على الإسلام وعلى أهل الصدق منه بالغلو والتطرف والغلظة والفظاظة وسوء الخلق ..

لمجرد أن منتسبا للإسلام أخطئ في تصرفه أو قوله أو تلبس لباس الصادقين من المسلمين؟

إن من أشنع أنواع الظلم أن يؤاخذ الإنسانُ بخطأ غيره..

فإن الله عز وجل يقول {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ،

أين الإنصاف وأين العدل ؟

والله عز وجل يقول : {ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى} ،

لماذا نتسرع بالحكم على الجميع ونعمم الأخطاء لمجرد أخطاء فردية؟

أين هؤلاء الشانئون من مئات وآلاف من المسلمين والمسلمات ممن نبلت أخلاقهم وعزت نفوسهم.

إنني أعرف وتعرف وأسمع وتسمع وأرى وترى أعدادا ليست بالقليلة ممن ملكوا القلوب بجمال ألفاظهم ..

وأسروا النفوس بحسن أفعالهم ، قلوب صافية وأيد حانية وألسن عفيفة ، علم وعمل وحب للدين والوطن.

فلماذا لا يذكر هؤلاء ويشهّر أمرهم ويتحدث عن نبلهم؟

لماذا ننظر بعين واحدة ونقع على الجروح فقط؟

انظر لنفسك أيها الحبيب ، أيها الأخ الشاب وأنت تشكو من هؤلاء ،

ألست مسلما؟ أولست تخطئ؟ ألست تزل؟

فلربما شكا منك الناس، فأنت تشكو وأنت تُشكى.

ولكن ما أجمل أن يعذر بعضنا بعضا،

وأن نعفوا عن الزلات ونستر السيئات .

ونشهّر الحسنات ، تناصح وتغافر يطفئ نار الفرقة والاختلاف.

عامل الناس جميعا على أنهم بشر يصيبون ويخطئون ،

غُض الطرف وتغافل وأصبر فليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي

ولك أن تسرح بخيالك لترى المجتمع يعيش بهذه المعاني الجميلة فهي من أعظم مكارم الأخلاق ،

فإن أبيت فأتهم ذلك الشخص ولا تعمم ..

وأتقي الله فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان.

 

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة