من اللطائف..

التي تعلّمتُها في فترة الحَجر الصِّحّي، والتي كانت أنفاسي فيها ضيقة لدرجة أنّ الكلمة تُتعبني حدًا لا بأس فيه من الوقت، وبين كل كلمة هناك مسافة و وقت حتى أستطيع تكوين جملة متكاملة، المهم في كلّ هذا، أن ضيق التّنفُّس هو من أشَد ما قد يصيبُك بالاكتئاب، إذ أنّه يشُلّ جسدك، ويهدم قوّتك، ويجعلُكَ تهذي إن رافق الضّيق ارتفاع الحرارة الشديد.

ما تعلّمتهُ في ذاك العُسر، هو ألطَفُ يُسرٍ مَرَّ بي، ولعلّها رسالة لقلبك، كانت صلاتي مجهودًا لا يُتصَوّر، وأحسب لكل ركعةٍ حسابها، إذ أنّه الوضوء والتّكبير وحركة الأركان تجعل من جسدي خرقةً بالية، كأنّ انفاسي في “ماراثون” سريع جدًا يلاحقُ النَّفَسُ نَفَسًا آخر، ولا أستطيع ضبطه.

ما اكتشفته، هو كم كنت محتاجًا لظرفٍ كهذا حتّى أتربّى مجددًا، وأهذّب جسدي ونَفسي على التّأنّي، التمهُّل وضبط الحركة، كانت صلاة الفرض تأخذ منّي 12 دقيقة وأكثر، حتّى أُتمّ ضبطها بقصار السُّوَر، تعلّمتُ كم أنّ الأنفاس غالية، وكم نحنُ بحاجةٍ لأنّ نعطي الصّلاة وقتها، نعطيها حقّها من التّفكّر والتعمّق والدخول في التفاصيل، كم أنّنا بحاجة لسقاء الآيات، لأن تعيش جَوّها وشعورها وكلماتها وتفاصيلها.. اكتشفتُ كم كنّا على البَرّ، والبَحرُ يمُدّه من بعده سبعةُ أبحُر!! كم نحنُ على اليابسة! كم هناك مسافات.

ما أجمل الفاتحة، وما أرَقّ وقعها، إذ كانت كلّ آيةٍ حكاية، كنت أقف عليها، متنفّسًا بألَم، محاولًا جمعَ أكسجين الغرفة حتى آتي بآيةٍ أخرى، وأحيانًا أقف بالمنتصف، أعيد الآية مرتين حتى تكتمل وأحيانًا أركعُ من شدّة التّعب.

أدركتُ أنّنا نحتاج لذلك الوقت، نحتاج لأن نعطي كلّ مهمةٍ وحركةٍ وقتًا إضافيًا حتى نستشعر معناه ونتعلّم مبناه ونأخذ منه كلّ ما يمكننا فهمُه وتعلّمُه، ما أجمل الركوع وما أعظم السّجود، أذكُرُ أنّي في سجدةٍ ما كدت أختنق، دعوتُ الله تمام الصّلاة فقط! ذاك السّجود الذي كان معتادًا، أفعله كلّ يومٍ دون إدراك معناه. سبحان الله!

ضاقَت أنفاسي وأتّسعَ الفهم، مَنّ الله عَلَيّ بلطائف أكثر سعَةً، ومعاني سامقاتٍ ما فهمتها لولا العُسر، كلامي وزوجتي يأخذ ساعات وإن ضبطتَ محتواه فهو بالحقيقة لا يتجاوز دقائق الاعتياد، مكالمة هاتفٍ واحدة تأخذ نومَ ساعةٍ حتى يعود النّفس أدراجه مجددًا.

كلّ حركةٍ في تلك المرحلة، أخذت من الوقت ضِعفًا، لكنها أعطتني مساحةً أكبر لأعيش كلّ لحظة، لأن أتجرّد من السرعة، من العَجَلة، وأرتدي لباسَ الصّبر والضبط والاتّزان.. لأن أعيش اللحظة، وأقدّر الوقت، وأدرك أن لكلّ حركةٍ غرس، ولكل نَفَسٍ حكاية..

انظروا دقائق الأمور، تمهّلوا قليلًا، تذوّقوا الحركات، واستعشروا اللحظات، واجعلوا من صغائر الأمور عظائم الأجور، استثمروا النّعم قبل فقدها، “مبتلىً أنت بما تملك لا ما تتمنّى” عدّد ما تملك، وجدّد عملك، فهي دعوة للتأمّل ^^

حتّى آيتك المفضلة، أعطِها مزيدًا من الوقت
تأمّلها جيدًا، ستجد أنّك لَم تقرأ بعد!
منقول

شاهد أيضاً

كل ما تحتاج معرفته عن حراك الجامعات الأميركية

محمد المنشاوي واشنطن- عرفت الجامعات الأميركية مؤخرا حراكا طلابيا واسعا احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على …