كهنة المعبد

بقلم : جهاد الترباني

هناك صنف عجيب من البشر، يتخذون الدين وسيلة لفرض سيطرتهم على أتباعهم، فيحللون أمورًا ثم يحرمونها، ويحرمون أمورًا أخرى ثم يعودون لتحليلها وفقًا لأهوائهم، مثل هذه العينة من رجال الدين الذين يقررون ما هو الحلال وما هو الحرام ومن هو المؤمن ومن هو الكافر وفقًا لمصالحهم الشخصية، هذه العينة ظهرت وتظهر في كل زمان، وفي كل الأديان بما فيها الإسلام، يسميهم البعض تجار الدين، ويدعوهم البعض برجال الدين المنافقين، ويسميهم آخرون بعلماء السوء، أما أنا فأحب أن أطلق عليهم اسم كهنة المعبد، فقد ظهرت هذه العينة الفريدة من رجال الدين لأول مرة في التاريخ لدى كهنة المعابد في العصور القديمة، والذين كانوا يقنعون أتباع الديانات الوثنية بأنهم وكلاء الآلهة على الأرض، وأنهم فقط من لديه العلم المطلق، ووقائع التاريخ تثبت أن هؤلاء الكهنة كانوا عبر التاريخ سببًا في دمار وخراب مجتمعاتهم، فكهنة المعبد في بابل القديمة هم الذين تعاونوا مع الفرس الإخمينيين لاحتلال العراق، بينما رحب كهنة آمون في مصر بمحتل جاء من بلاد الإغريق اسمه الإسكندر، وبدلًا من أن يقاوموه ويستنفروا أتباعهم لمقاومة الغازي الجديد لبلادهم، رحبوا به وأخذوه لمعبد آمون في واحة سيوة ليقنعوه بأنه إله بن إله، مثل هؤلاء الكهنة هم الذين دعوا الناس إلى خذلان القائد الخطابي في قتاله ضد الغزاة في المغرب، وهم من اعتبروا أسطورة المقاومة عمر المختار خارجًا عن القانون، كهنة المعبد هم الذين دعوا الناس لعدم مقاومة الاحتلال في الجزائر والمغرب وتونس وغيرها من البلدان، بحجة أن الاحتلال يفوقهم بالقوة، وأنه ينبغي على الناس التسليم بما اعتبروه قدر الله الذي لا ينبغي رفضه، وطلبوا من أتباعهم الرضوخ والإذعان للغزاة، نفس هؤلاء الكهنة هم من أفتى لأمراء الطوائف في الأندلس بقتال بعضهم البعض، وأجازوا دفع الجزية للملك القشتالي ألفونسو، وأفتوا بجواز معاونته في قتال إخوانهم واغتصاب أخواتهم في بقية إمارات الأندلس، هؤلاء الكهنة لا يختلفون كثيرًا عن بقية كهنة المعبد الذين استخدموا الخطابات الدينية المؤثرة للحشد للحروب الصليبية التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من عامة المسلمين واليهود وحتى المسيحيين الذين دمر الصليبيون كنائسهم في القسطنطينية واغتصبوا راهباتهم في الأديرة أثناء الحملة الصليبية الرابعة، هؤلاء الكهنة الغارقون بالجهل والفساد والرجعية الذين ظهروا في قرون أوروبا المظلمة هم من أحرقوا ميجيل سيرفتو حيًا بعد أن ربطوا كتبه حوله وألقوه في لهيب النار، وهم من حاكموا جاليليو وكل عالم و مفكر أتى بعلم يخالف ما يقررونه هم، هؤلاء هم الذين آثروا السلامة في وقت ثبت فيه الإمام أحمد بن حنبل أمام جلاديه، هؤلاء القتلة الإرهابيون الذين ظهروا في كل الأديان عدوهم الأول هو كل من يحاول تحذير الناس من دجلهم وتلاعبهم بالدين وعقول الناس، والصفة الجامعة لكل كهنة المعبد الذين ظهروا في التاريخ أنهم يحرصون على حفظ نصوص دينية يرددونها باستمرار لخداع أتباعهم، يحرفون معناها ويضعونها في غير موضعها لدفع الناس البسطاء للاقتناع أنها وحي من السماء، ويحرصون على الظهور بمظهر العباد الناسكين، وهم في حقيقة الأمر مجرد شرذمة من الفاسدين الذين لا دين لهم، ولا شرف لهم، ولا يعبدون إلا مصالحهم الشخصية، ويبدلون آراءهم الدينية وفتاواهم دون أدنى خجل، لأنهم في حقيقة الأمر مجرد مرتزقة جبناء يرددون على الناس قصص الأبطال والشهداء وهم أحرص الناس على الحياة حتى لو كانت حياة ذليلة، مثل هؤلاء الكهنة هم الذين دفعوا الفرنسيين في الثورة الفرنسية إلى رفع شعار: اشنقوا آخر أمير بأمعاء آخر قسيس، بعد أن سئموا من كذبهم ونفاقهم ومتاجرتهم بالدين، وهم الذين دفعوا كثيرًا من الغربيين في زماننا هذا إلى الكفر بكل الأديان بعد أن قرأوا عن حكايات فسادهم، ولا شك أنهم من بين الأسباب التي تدفع بعض الشباب إلى الإلحاد، بعد أن ظن هؤلاء الشباب أن الإسلام يمثله هؤلاء الكهنة، ولم يعلموا أن الإسلام جاء أصلًا لتخليص البشرية من كهنة المعبد وأفعالهم الدنيئة التي حذر الله تعالى منها البشر من فوق سبع سماوات، وحذر منها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، بل وأدرك خطرها في وقت مبكر من ظهور الإسلام صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ويكفيك أن تسمع ما قاله الفاروق عمر رضي الله عنه في مثل هؤلاء:

“إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا يخطئ فيه واوًا، يجادل الناس إنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة مضلون”.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وضع لي ولك وللبشرية جمعاء منهجًا شاملًا للتعرف على مثل هؤلاء، فقد قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه، وكان نصرانيًا، قرأ عليه هذه الآية: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” فقال له عدي: إنَّا لسنا نعبدُهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه، فقال عدي: بلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتُهم”
لذلك فإذا كنت تتبع شيخًا أو قسيسًا أو عالمًا أو كاتبًا أو أي إنسان يحلل لك ما يحرمه الله ويحلل لك ما يحرمه الله، واخترت أنت أن تتبعه اتباعًا أعمى، دون أن تستخدم عقلك، ودون أن تحكم ضميرك، فاعلم بأنك ممن ينطبق عليهم كلام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنك أصبحت مجرد عبد لكهنة المعبد!

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة