فن النونتشي.. تعرف على سر ذكاء ونجاح الأطفال الكوريين

ينبع النظام التربوي في كوريا الجنوبية من نظام يطلق عليه اسم “النونتشي”، وهو فن استشعار ما يفكر فيه الآخرون وما يشعرون به، ثم الاستجابة بشكل مناسب، وهو أيضا قوة الملاحظة والصبر وقراءة المكان والناس الموجودين فيه، ومراعاة شعور الآخرين وعدم ترك شيء للصدفة.

تقول الكاتبة والصحفية إيوني هونغ مؤلفة كتاب “قوة النونتشي: السر الكوري للسعادة والنجاح” في مقال لها على موقع “سي إن بي سي” (CNBC)، إن إحدى الكلمات الأولى التي تتعلمها وأنت طفل هي “نونتشي” (تُنطق نون تشي)، والتي تترجم حرفيا إلى “مقياس العين”.

النونتشي هو القدرة على قراءة المكان الذي نوجد فيه بشكل سريع، أولئك الذين لديهم نونتشي “سريع” يعيدون تقويم افتراضاتهم باستمرار بناء على أي كلمة أو إيماءة أو تعبير وجه جديد، حتى يكونوا حاضرين ومدركين دائما لما يحدث حولهم. ولتسخير قوة “النونتشي”، كل ما تحتاجه هو عيناك وأذناك وعقل هادئ، وهذا هو الجزء الأصعب.

تؤكد الكاتبة أن “النونتشي” هو قوة عظمى في كوريا حتى أن البعض يذهب إلى حد القول إنه يسمح لك بقراءة الأفكار، على الرغم من أنه لا يوجد فيه شيء خارق للطبيعة، إلا أنه يمكن أن يساعدك في اختيار الشريك المناسب في الحياة أو العمل، وحمايتك من أولئك الذين يقصدون الأذى وحتى تقليل القلق الاجتماعي.

البداية من سن الثالثة
تربية الأطفال التقليدية في كوريا يتساوى فيها “النونتشي” مع بديهيات “انظر في كلا الاتجاهين قبل عبور الشارع” و”لا تضرب أختك”.

يقوم الآباء بتعليم أطفالهم عن النونتشي ابتداء من سن الثالثة، وهذا وفقا لتقليد مشهور يؤكد أن العادات التي ينشأ عليها الأطفال في سن الثالثة تبقى مع الشخص حتى سن الثمانين.

“ألا يوجد لديك أي نونتشي؟”، هو توبيخ أبوي شائع، تقول إيوني إنه “عندما كنت طفلة، أتذكر أنني أسأت إلى صديق للعائلة عن طريق الخطأ، وحينما دافعت عن نفسي أمام والدي بالقول “لم أقصد ذلك”، رد عليّ “حقيقة أن الأذى لم يكن مقصودا لا يجعله أفضل، إنه يزيد الأمر سوءا”.

تقول الكاتبة إن رواد التربية الحديثة الغربيين قد يجدون صعوبة في فهم نقد والدها، فهي لم تكن لئيمة ولم تقصد مضايقة أحد عمدا وما حدث قد حدث بالصدفة.

ولكن بالنسبة لطريقة تربية النونتشي فإن الأطفال الذين يختارون أن يكونوا لئيمين يعرفون على الأقل ما يأملون في تحقيقه من خلال ذلك، أما الطفل الذي لا يدرك عواقب أفعاله أو كلماته على الآخرين فهو طفل ليس لديه نونتشي.

وبغض النظر عن مدى طيبته، فمن المحتمل أن تكون طريقته في التصرف بجهل ودون معرفة ستؤدي به إلى عيش حياة خاسرة، وذلك ما لم يتم تدريبه على تفادي هذا الجهل.

العالم لا يدور حولك
يغرس الآباء الكوريون النونتشي من خلال تعليم أطفالهم هذا الدرس الحاسم “لا يتعلق الأمر بك”. توضح الكاتبة “لنفترض أن أُما وابنها البالغ من العمر أربع سنوات كانا ينتظران عند صف البوفيه لفترة طويلة، وبدأ صبر الابن ينفد، فيشكو لوالدته قائلا “هل سنقف هنا إلى الأبد، إنني جائع”.

بالطبع لن ترد الأم الكورية بقولها “لا يا حبيبي! أنا آسفة. تفضل لدي بعض العنب في حقيبتي”، إذ بدلا من ذلك، ستقول “ألقِ نظرة على كل من ينتظر في الصف، مثلك تماما، هل تعتقد الآن أنك الشخص الوحيد الجائع في قائمة الانتظار؟”.

يهدف هذا النوع من التنشئة إلى تعليم الأطفال أن العالم لا يدور حولهم، وأن الأشياء لا يتم إعطاؤها لهم على طبق من الفضة.

تحكي الكاتبة مثالا آخر فتقول إن “بعض المدارس في كوريا لا توظف عمال نظافة، حيث يتوقع من الطلاب أن يتناوبوا على أعمال التنظيف (كنس ومسح وإزالة القمامة وحتى تنظيف الحمامات). ينقسم الجميع إلى مجموعات ويتم التناوب على المسؤوليات.

هناك عدة دروس يتم تعليمها للأطفال، أولا، كلما كنت منظما، قل الوقت المستغرق للتنظيف. وهناك درس آخر هو غرس الوعي بأن الفصل بأكمله هو خلية واحدة، فيجب على الطلاب احترام بيئتهم كفريق واحد، لأنهم المسؤولون عن الحفاظ عليها.

الملاحظة بصبر
وتروي الكاتبة قصتها الخاصة مع النونتشي فتقول “عندما كان عمري 12 عاما، عادت عائلتي من أميركا إلى موطنها، كوريا الجنوبية. وعلى الرغم من أنني كنت أتحدث الإنجليزية فقط، فقد التحقت بمدرسة عامة كورية”.

وتضيف “كانت هذه أفضل دورة “نونتشي” يمكن أن ألتحق بها، لأنه كان عليّ الاندماج في ثقافة أجنبية دون أي أدلة لغوية. ولكي أنجح في بلدي الجديد، كان عليّ أن أعتمد بشدة على “نونتشي”، التي أصبحت في النهاية حاستي السادسة”.

تقول الكاتبة “أنا دليل حي على أنه ليس عليك أن تكون الأذكى أو الأغنى أو الأكثر امتيازا، لتجد النجاح والسعادة في الحياة”.

وتستطرد “لم يكن مسموحا للطلاب بطرح الأسئلة أثناء الفصل الدراسي. فالمعلمون يقدمون عن قصد معلومات غامضة حول كل شيء، من مكان إجراء الاختبارات إلى المستلزمات أو الكتب التي يجب إحضارها”.

وتؤكد أن “حل هذه الألغاز بنفسك باستخدام النونتشي كان جزءا أساسيا من تعليمك، وإذا كنت تستطيع الملاحظة بصبر، فإن أسئلتك (ماذا أفعل، كيف أتصرف، كيف أرد؟)، ستتم الإجابة عنها دون الحاجة إلى قول كلمة واحدة”.

وتختم الكاتبة قصتها بأنه “بعد أكثر من عام بقليل من وصولي إلى كوريا، كنت على قمة صفي وحصلت على جوائز بالرياضيات والفيزياء. وتم انتخابي نائبا لرئيس صفي.. لقد حققت كل هذا على الرغم من حقيقة أن لغتي الكورية كانت لا تزال سيئة للغاية”.

المصدر : مواقع إلكترونية

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة