هل قتل كتاب “رؤية مواطن 2030” جمال خاشقجي؟

بدأ الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بكتابة مقالات في صحيفة الحياة اللندنية تحمل عنوان “2030 رؤية مواطن سعودي” قدم من خلالها رؤيته لاحتياجات المواطن السعودي الأساسية اقتصاديا واجتماعيا باعتبارها أولوية للمواطن، وتسبق ما تضمنته أفكار ولي العهد محمد بن سلمان من خلال الخطة.

وفي بداية العام 2017 قرر خاشقجي جمع المقالات في كتاب واحد لنشره، لكن الكتاب منع من النشر كما قال خاشقجي، ولم تمض شهور قليلة حتى منع خاشقجي من الكتابة في الصحف السعودية، وبدا له أن هناك موقفا جديدا بدأ يتشكل ضده وما يطرح من أفكار، مما دفعه لاتخاذ قرار بالانتقال إلى المنفى الاختياري في الولايات المتحدة.

حدث ذلك رغم أن كتابه تضمن في الأغلب أفكارا أيد فيها رؤية بن سلمان بالكامل حتى أنه تبنى أفكارا أثارت انتقادات المعارضة، مثل حديثه عن إمكانية تأجيل الديمقراطية في السعودية إذا لم تكن أمرا ملحا.

وبعد منع كتابه في السعودية انتقل جمال خاشقجي إلى القاهرة لطباعة الكتاب الذي صدر باسم “رؤية مواطن 2030.. وبهامشه العلل الفاعلة للتحول الوطني”، وكان هذا الكتاب هو الرابع والأخير لجمال خاشقجي، وقد ضم 14 مطلبا تندرج كلها تحت عنوان “جودة الحياة”، وكلها مطالب اقتصادية واجتماعية، وقد صدر الكتاب قبل أشهر قليلة من مقتله في قنصلية بلاده بإسطنبول على يد مسؤولين رسميين مقربين من بن سلمان.

وتضمنت مطالب خاشقي في الكتاب عدة أمور، منها توفير السكن والوظيفة، والتعليم المنافس، والتأمين الصحي، والأرصفة، ومواقف للسيارات، وملاعب كرة قدم، وحدائق عامة، وفصل بين الأحياء السكنية والتجارية، بالإضافة إلى الحق في الحصول على المعلومة، والمشاركة في القرار المحلي، وختم الكتاب بفصل يناقش الموروث السعودي.

وخصص جمال في كتابه فصلا لما تسمى “سعودة الوظائف”، منتقدا في الوقت ذاته استمرار اعتماد المملكة على الملايين من العمالة الأجنبية التي يرى أنها مضرة بالاقتصاد الوطني، داعيا للتخلص من أغلبها والاستعاضة عنها بعمالة سعودية، وهي الفكرة ذاتها التي تناولها باستفاضة في كتابه السابق “احتلال السوق السعودي”.

كما اعتبر أن الحق في الحصول على المعلومة حق أصيل للمواطن، خصوصا الصحفيين والإعلاميين، حيث إن توفير المعلومة من قبل المؤسسات الحكومية والرسمية ضامن فعال للشفافية ومحاربة الفساد، كما عبر عن قناعته بدور الصحافة بضمان مقاربة فعالة لتطبيق رؤية 2030.

وفي الفصل قبل الأخير من الكتاب -والذي حمل عنوان “المشاركة في القرار المحلي”- قدم خاشقجي جملة من الأفكار وإمكانية تطبيقها في السعودية، وأكد على ضرورة المشاركة الشعبية في المستوى المحلي، خاصة فيما يتعلق بالاحتياجات الخدمية، وهو ما اعتبره ضروريا لنجاح رؤية 2030.

وترى الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية مضاوي الرشيد أن مقالات جمال خاشقجي كانت تعتبر بمثابة منافسة لرؤية 2030 التي تقدم بها محمد بن سلمان، لأن الأخير يرى أنه على الجميع التعلق بما قدم وليس بأي شيء آخر.

وأضافت أن خاشقجي كان يطمح لأن يتمكن الصحفي من الدخول إلى أروقة الدولة ويطلب المعلومات، وهو الأمر الذي استبعدث حدوثه في ظل نظام غير ديمقراطي لا يوجد فيه انفتاح أو تمثيل سياسي.

من جانبه، رأى الكاتب والباحث بالفلسفة السياسية رامي العلي أن الكتاب المتضمن لمقالات خاشقجي يمثل برنامجا سياسيا أكثر من كونه قراءة موضوعية وبحثية للمشكلات التي تتعلق بالمملكة، مؤكدا أن خاشقجي حاول خلال الكتاب مجاملة الدولة بمناقشة السعودة وتوطين الوظائف وفقا لرؤية 2030.

من جهته، قال أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان محمد مختار الشنقيطي إن الكتاب مثال حديث للسلطة السعودية بسقف منخفض، ويدعو للإصلاح وتحسين الأداء الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن السياسة، واصفا خاشقجي بالحذر في الدعوة إلى إصلاح سياسي، ومع أنه أكد وجود حملة قوية بالكتاب ضد الأجانب في السعودية إلا أنها كانت بنبرة وطنية عالية جدا.

وأوضح أن ذلك لا يعني عنصرية من جمال “لأنه شخص يمتلك حسا إنسانيا، لكن رؤيته للاقتصاد السعودي -وهو خبير بذلك- تقوم على أن الاقتصاد السعودي لن يقوم بهذا العدد من العمالة الأجنبية”، وفيما يتعلق بمجاملة السلطة، لفت الشنقيطي الانتباه إلى أن خاشقجي ألف هذا الكتاب في مرحلة كانت سبقت خروجه من السعودية.

وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد أعلن في أبريل/نيسان 2016 عن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وتحدث فيها عن أفكار عدة لاقتصاد ما بعد النفط، وتحويل المملكة إلى مركز اقتصادي واستثماري كبير.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة