بحر كورونا وسفينة المجتمع وطريق الهداية

بقلم الشيخ سفيان أبوزيد

قوله عز وجل :”و إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا”

مما أفادني به أخ عزيز قارئ متدبر لكتاب الله عزوجل جزاه الله خيرا:

كنت أقرأ سورة الإسراء فاستوقفني قوله عز وجل :”وإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا”، في أمرين:

الأمر الأول : البحر

قال: فقلت في نفسي أالبحر هنا هو فقط البحر الذي نعرفه أم هو كل مكان مادي او معنوي لا يدري فيه الإنسان أين يتوجه شرقا أم غربا ، شمالا أم جنوبا تائها ليست له بوصلة توجهه ، فاقدا كل أمل أفقي، ليس بينه و بين هلاكه شيء يحول.

لعلنا نحن الآن في بحر (بحر كورونا) تائهون فيه بوصلتنا متوقفة لا ندري أيمينا أم شمالا أم أماما ام خلفا!! ، ليس لنا سوى التوجه إلى البعد العمودي الذي ينطلق من الأرض إلى السماء داعين الله النجاة ثم النجاة ثم إلى بر الأمان.

قلت: وضر البحر كما ذكر المفسرون الإشراف على الغرق، وضر بحر كورونا إشراف على الهلاك فذاك وهذا يزعج النفوس خوفا..

الأمر الثاني: السفينة

هذه الآية أحالتني على السفينة وهي ذاك المركب الذي تتلاطمه أمواج البحر. و لكل سفينته و بحرنا الآن سفينته هي مجتمعه وكل انانية وحب نفس في فرد من أفراد ركابها نتيجته الغرق.

وهذا ذكرني بحديث السفينة : “عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا “.

فاعتبروا يا أولي الأبصار .

وأضفت إلى هذا التدبر:

في قوله تعالى في الآية: (ضل من تدعون إلا إياه)

لماذا نسب الضلال إلى المدعو، رغم أن الضال هو الداعي!؟
لماذا لم يقل إلا هو، وقال (إلا إياه) ؟

الجواب:

في هذا الشطر من الآية إشارة في قوله” ضل من تدعون ” نسب الضلال إلى المدعو لا إلى الداعي..رغم أن الضال هو الداعي الذي يدعو غير الله، وذلك والله أعلم إمعان في لهفة وتوجه المضرور إلى الله عزوجل ورجوعه إلى فطرته وكأن كل من كان يعتمد عليهم ويركن لهم ويرى النجاة والمصلحة فيهم يضلون في تلك اللحظة، ويبطل مفعولهم وتتيه طريقهم، فيضلون في انفسهم لأنهم لا يملكون حلا ولا نفعا، ويضلون عنه فلا يرى فيهم نجاة ولا برئا ولا املا، فهو ضلال مركب ضلال لازم وضلال متعد..

والتعبير بالمضارع في الدعوة دليل على تكرر دعوتهم وتعودهم على ذلك واليقين في إجابتهم، ولكنهم في هذا الموضع وفي هذا الظرف غاب وانصرف ذكرهم وتلعثمت الألسن عن تلك الدعوة وبكمت الأفواه عن النطق بها، ويئست النفوس عن استجابتها..

ثم جاء الاستثناء والملاحظ أنه لم يقل (إلا هو) وإنما قال (إلا إياه) وهو ضمير المفعول فهو سبحانه لا يضل وطريقه لا تضل ولا تضلل ودعاؤه لا يضل بل يصل، ويقع مكانه ويؤتي أكله، لأنه سبحانه الحق وطريقه واضح مستقيم سهل يسير.. فهو طريق الفطرة.. والطريق الحاضر الظاهر، تأتي الشدائد لتجلي ظهوره وتمحض حضوره، فتغلق وتضل وتبطل كل الطرق إلا طريقه..

شاهد أيضاً

كل ما تحتاج معرفته عن حراك الجامعات الأميركية

محمد المنشاوي واشنطن- عرفت الجامعات الأميركية مؤخرا حراكا طلابيا واسعا احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على …