إدارة الأزمات الطاعون و الكورونا في الدولة الإسلامية

مفهوم إدارة الأزمات:

تُعرف الأزمة على أنّها أيّ تهديد قد يُلحق الأذى بالأشخاص أو الممتلكات العامة والشخصية، أو يؤدّي إلى تعطيل سير العمل أو جزء من الحياة، حيث إنّ كُل دولة مؤسّسة أو شركة هي عُرضة للأزمات التي قد تؤدّي إلى الإضرار باسمها وسُمعتها، وظهر من أجل دراسة الأخطار المحتملة في المستقبل.

كيفية إدارة الأزمات:
تحتاج إدارة الأزمات إلى خطة، حيث تُعتبر خطة إدارة الأزمات أداةً مرجعيّةً، وليست برنامج عمل مُفصّل، وهي لا تحتوي على خطوات مُعيّنة ومُحدّدة لكيفيّة حلّ الأزمة، وإنّما تتضمّن قوائم بمعلومات جهات الاتصال الرئيسيّة، ونقاط تذكيريّة لما يجب عمله عند مُواجهتها، ونماذج لتوثيق كيفيّة الاستجابة لكل أزمة، ولنا في التاريخ الإسلامي مثال حي وواقعي يشبه حالنا الآن، حيث انتشار جائحة كورونا في كافة أرجاء العالم.

كورونا ما بين هلع الغرب ووجوب ثقة المسلم:
على المؤمن في هذه المواقف أن يكون على ثقة وإيمان تام بالله وبقضائه وقدره، ومن ثم عليه الأخذ بالأسباب والسعي والحيطة والحذر، وباتباع وسائل السلامة والإرشادات الواردة عند أهل التخصص، والقائمين على شؤون الحياة الاجتماعية والإنسانية من أطباء وعلماء
إن مثل هذه الأوبئة كان لها حضور في التاريخ والحضارة الإسلامية، بل كانت أشد مما عليه اليوم، حيث لا يوجد معامل ولا تكنولوجيا ولا أداة إعلامية توجه وتدعو الناس لتتجنب أخطارها، لكن العامل الديني القائم على الثقة في الله عند الناس وما يترك ذلك من تأثير في تهدئة النفوس واطمئنان الأرواح، كان يعود بالإيجاب على إدارة الأزمة وعلى تجاوزها، فالعامل الديني والروحي يمكن اعتباره نموذجا حيًا ومثاليًا للتعامل مع أزمات مثل أزمة الأوبئة والأمراض، غير أن هذه العوامل تبدوا أكثر قوة وتأثير حقيقي في الدين الإسلامي أكثر بكثير من أي ديانة أخرى، خاصة أن الدين الإسلامي دين قائم على التوحيد ويجمع بين دفتيه القرآن الكريم والسنة النبوية كل الأشكال الروحية التي من شأنها أن تجعل الإنسان قادرا على مواجهة الرهبة والخوف الذي قد تتسبب فيه أزمة الأوبئة والأمراض، وإذا كان الغرب على سبيل المثال يعيش حالة من الهلع بين سكانه بسبب انتشار فيروس كرونا الحالي فهذا راجع إلى غياب وعاء ديني حقيقي يحتضن عواطف الناس ويزكي أنفسهم وأرواحهم، أما الدين الإسلامي الذي يحمل جوهر الإنسان ومنهاجه في الحياة.

ويبين له أسباب وجوده على هذه الأرض في نص قرآني وآخر نبوي، ففيه ما يكفي من الدلائل والمحتويات القادرة دون شك على طمأنة النفوس واحتضانها كما يجب وبما يجب، إذ يقول تعالى في آيات محكمات: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ سورة التوبة الآية 51 حيث شرح الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ قُلْ لن يصيبنا ﴾ خيرٌ ولا شرٌّ ﴿ إلاَّ ﴾ وهو مقدَّرٌ مكتوبٌ علينا ﴿ هو مولانا ﴾ ناصرنا ﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ وإليه فليفوِّض المؤمنون أمورهم على الرِّضا بتدبيره، تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ قُلْ ﴾ لِهَمْ يَا مُحَمَّدُ ﴿ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا ﴾، أَيْ: عَلَيْنَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، ﴿ هُوَ مَوْلانا ﴾، نَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

فعلى المؤمن في هذه المواقف أن يكون على ثقة وإيمان تام بالله وبقضائه وقدره، ومن ثم عليه الأخذ بالأسباب والسعي والحيطة والحذر، وباتباع وسائل السلامة والإرشادات الواردة عند أهل التخصص، والقائمين على شؤون الحياة الاجتماعية والإنسانية من أطباء وعلماء وخبراء، وتجاوز الاستهتار القاتل والمبني على اعتبار تلك الأوبئة هي من صنع الإنسان، فالإنسان لا يملك ولا يستطيع فعل شيء إلا بقدر الله، فإن كتب له البقاء سيبقي، وإن كتب له الفناء حتى دون أوبئة سيفنى، يقول الله تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ” سورة الأعراف الآية 34، وإذا كان هذا منهجنا في الدين المتكامل الذي لم يترك لنا شيئا في شؤون دنيانا إلا وتحدث فيه، بل تحدث عن مستقبلنا وعن ما لا نستطيع معرفته.

وفي هذا الصدد إذا كنا نجتر وراء الغرب في قضايا الحداثة والتقدم فكورونا درس لنا على أن نفهم أن كل شيء بمشيئة الله، فلا نكون أكثر سوء مما نحن عليه في اتباع الغرب حتى في أوجاعنا وأمراضنا، إذا لم نستطع صنع الدواء فلنتمسك برب الدواء، ولنا في الغرب عبرة، ذلك أن الغرب معذور، لأنه ليس لديه ما يشفي خوفه ويطمئن قلبه في السراء والضراء، غير أننا نحن المسلمون نملك ما لا يملكه غيرنا، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف “ستصيب أمتى بالوهن فقيل ما الوهن يا رسول الله، قال حب الدنيا وكره الموت”، وإذا كان كذلك فلما الخوف والهلع أليس الخوف من الله أحق وأجدر به، وهو القائل يأتيكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، فما يهمنا هو ثقتنا بالله وأن نمارس حياتنا كما يأمر ربنا وكما شرع لنا ولا نسوق أنفسنا وراء الخطابة الكاذبة، ألا ننظر إلى تاريخنا الإسلامي كم مر عليه من الزمن وكم عاش المسلمون من فترات الأوبئة والمجاعات، فلما الهلع إذا كان الموت مكتوبا عند الله، ولنا في التاريخ الإسلامي عبرة نذكر منها، تقدير موقف برؤية تاريخية: الطاعون في بلاد الإسلام ورؤية القائد:
الحادثة: انتشار الطاعون.
المكان: بلاد الشام.
الزمان: 18 هجري.
الضحايا: توفي أكثر من 25000 مسلم ومنهم عدد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قائد الأزمة: داهية العرب الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه.
إدارة الأزمة: أصدر تعليماته للناس بأن يعتزلوا الأماكن المزدحمة والتجمعات.
النتيجة: انتهاء المرض بعد عدة أيام من تطبيق التعليمات.

الخلاصة والحل:
الحقيقة في حياتنا هو الصبر أمام ابتلاء الله، حتى نجني الأجر في الدنيا والآخرة، ثبات الإنسان أمام تجربة وامتحان الحياة بثبات وقوة، والحل يمكن رؤيته في الظروف الحالية كالآتي:
– الأخذ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: ما النجاة؟ قال:أمسك عليك لسانك (لا للإشاعات)، وليسعك بيتك (البقاء في المنزل)، وابـكِ على خطيئتك (الاستغفار والدعاء).

– وضع لجنة إدارية للأزمات والكوارث وتفعيلها في كل وطن من أوطان ديار الأمة، تكون مختصة بإدارة الأزمة كاملة من دعاية وإعلان وإصدار بيانات، ومتابعة المسؤولين والوزارة المختصة عن الأزمة.

– تتعاون الأمة فيما بينها في إنشاء مراكز بحثية واستراتيجية في كافة المجالات العلمية والاجتماعية والإنسانية، وخصوصًا العلمية منها، وتكون لها ميزانية خاصة بها تشارك فيها كافة الدول الإسلامية، وتوفر لها كافة السبل والأدوات حتى تكون قادرة على إنجاز أبحاث حقيقية داخل المعامل، وإنتاج أدوية وغيرها من الأمور، حتى لا ننتظر الغرب بأن يحل له الأزمة ويعطينا العلاج، ونقف موقف المتفرج والضعيف، فنحن نمتلك العقول والأموال، فلماذا ننتظرهم، فلماذا لا نستغل عقولنا ومواردنا وأموالنا في هذه الأمور لنكن عونًا للعالم بدلًا أن نكون عبًأ عليهم.

– إنشاء مرصد إسلامي يجمع كافة علماء الأمة في الشريعة والفتوي، ويقدم فتوي موحدة وملزمة وموافقة لكل شعوب الأمة، في المسائل المشتركة والقضايا الخلافية بين دول الأمة، وكذلك تقديم رأى وفتوي موحدة في مثل هذه النوازل، فبهذا تكون فتوي من أهل الاختصاص ونقطع الطريق على كل صاحب هوا يفتى بدون علم في أمور الدين، فإذا لم نتوحد في أمور ديننا فكيف نتوحد في باقي الأمور، حيث لدينا قرآن واحد وسنة واحدة، فهذا مجرد رأي ونتمنى تفعيله.

– عدم التهويل في الأمور عند الأزمات، وعرض الحقائق، وتولية أصحاب العقول والكفاءات من المخلصين من أبناء الأمة.

– وضع هيئة خاصة تكون قادرة على متابعة الأسواق وتوفير السلع الرئيسية للناس عند وقوع الأزمات، وتكون مخولة في محاربة الاحتكار وأصحابه، بعقوبات شديدة وبدون تهاون.

– وضع لجنة خاصة ولتكون تابعة لمنظمة رسمية مهتمة بشأن الإسلامي، لتحليل مواقف الغرب وأبعاده السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية تجاه المسلمين، ولماذا يهول ويستخدم “البروبجندا” في صناعة الحدث، فتضع رؤية علمية لأصحاب القرار في دول العالم الإسلامي.

– في النهاية: الأوبئة تكون ثم تهون، وكم من أوبئةٍ حلَّت ثم اضمحلت، وجَلَّت ثم جَلَتْ، وتوالت ثم تولّت. عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ويعجبني الفأل”، قالوا: وما الفأل؟ قال: “كلمة طيبة”. فانشروا الفأل والطمأنينة ولا يكن أحدكم مذيعًا لكل شر “.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة