مفاهيم فايروس كورونا

سفيان أبوزيد

ثمان ملحوظات بخصوص نازلة إيقاف الجُمع والجماعات في زمن كورونا

مما ينبغي أن نعيه ونفهمه في هذه النازلة أمور:

1- تجنبك لأي تجمع في زمن الوباء واجب شرعي لأنك ستعرض نفسك أو غيرك للعدوى وستكون أنت وسيلة وذريعة لانتشار هذا الوباء يجب سدها خاصة وأننا اليوم في بداياته وقد حصد الارواح ودمر الاقتصاد وتسبب في مفاسد كبيرة جدا الوسيلة الوحيدة لحصرها والتقليل منها هو تجنبك لأي اجتماع..

2- ليس لدينا أي تأكيد غيبي أو علمي على أن هذا الفيروس لا يلج مساجد، وبالتالي فالمساجد داخلة قطعا في تلك التجمعات التي يجب تجنبها..

3- ترك الجماعات في المساجد أو الجمع لا يعطل الصلاة التي هي أصل من أصول حفظ الدين، وإنما هو توقف عن أداء شعيرة يتوسل بها إلى حفظ الصلاة التي هي من مقومات حفظ الدين..
أما التجمع فهو وسيلة غالبة وقد ترتقي إلى درجة الحتمية إلى إزهاق النفس والضرر بالغير الذي هو مناقض لضرورة حفظ النفس وواجب حفظها، وتعريضها إلى الضرر والإزهاق الغالب أو اليقيني حرام وإن كان في المسجد..
وحقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد والنفس مبنية على المشاحة والمحاسبة..

4- ترك الجماعات والجمع من باب الرخص الواجبة التي قد ترتقي إلى مصاف العزائم، فمن وجد ميتة وهو مشرف على الهلاك، وجب عليه مدافعة هلاكه بالأكل منها، فهو بين إثمين: إثم البغي في اقتراف المحرم وإثم الاعتداء في إزهاق الروح، وما أبعد عن الإثم واجب، وهذا البغي او الاعتداء قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا ظنا غالبا، وقد اتفقت الشريعة على إلحاق الظن الغالب باليقين في إثبات الاحكام إذ أغلب أحكامها من هذا القبيل..

5- لابد من اعتبار ذكر فقه الواقع والتوقع والمآل والمقصد وتفعيله في مثل هذه النوازل..

6- التحقيق الدقيق لمناط هذه النازلة أو غيرها من النوازل يستدعي اطلاع العلماء على حقائق ودقائق المعلومات الطبية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والموازنة بين مصالحها ومفاسدها..
وهذا أظنه ليس في يد العلماء ولا يمكنهم الوصول إلى عينه ومنبعه بل هو بعيد عن كثير من أنظمتنا الضعيفة والتابعة..
لذلك يعمل في مثل هذه الظروف وفي مثيلاتها بالمتاح من المعلومات الموثوقة نسبيا والعمل بغالب الظن، وما يبرئ الذمة ويصلح الحال ويبعد عن أي ضرر..

7- مشكلتنا التي أرددها دائما وهو إطلاق بعض المصطلحات الخطيرة والكبيرة وإرسالها على عواهنها، بجهل أو تجاهل لخطورتها وبعدها عن المقام من ذلك مثلا: (استحلال ما حرم الله) كما وقع في قضية القروض أو (التعطيل)كما هنا وغيرها من الالفاظ..
فالتعطيل هو إيقاف الشيء عما وجد له أصلا في ظروف عمله العادية والمستقرة، فالأدوار التي يقوم بها المسجد كثيرة منها وعلى رأسها صلاة الجمع والجماعة، فالقول بتعطيل المسجد هو إيقاف تلك الأدوار بالكلية لغير داع أو سبب معتبر…
وإذا نظرنا في الشريعة وجدنا بأن بعض تلك الأدوار قد يوقف مؤقتا لظرف أو نازلة عامة أو خاصة ولم تسم الشريعة ذلك تعطيلا، فليس من الانصاف بل من الظلم والاعتداء والتجني والازدواجية أن نصف رأيا فقهيا معتبرا راجحا عند كثير من الفقهاء أن نصفه بالتعطيل او الاستحلال..

8- بخصوص إقامة الجمعة واختلاف الفقهاء في شروط تلك الإقامة، ورد حديث رواه أبو داود وغيره عن أبي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ) ، وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ )

هذا الحديث قيد الوعيد والترك بالتكرار وبالتعمد أو لغير ضرورة، فيخرج بهذا القيد ما كان لضرورة أو لغير تعمد، أو عند فقدان الشروط الأخرى التي اشترطها الفقهاء في إقامة الجمعة وإن اختلفوا في بعضها..
الذي أريد أن أشير إليه في هذا المقام، هو أن هذا الوعيد الذي هو الطبع على القلب رتبه الشرع على ترك الجمعة عمدا ثلاث مرات فما فوق، هذا لا يعني جواز الترك دون الثلاث، ولكن ربطه بالثلاث في حالة العمد يدل على أن ترك لغير العمد أو للضرورة قد يكون لأكثر من ثلاث مرات، وبالتالي فلا حرج من هذا الترك إن كان لضرورة ولغير عمد، وإذا طال الأمر لجمع عديدة، واستصحابا لمصلحة إقامة هذه الشعيرة التي أنيط بتكرر تركها الطبع على القلب، يمكن اللجوء عندها إلى الأخذ ببعض المذاهب المجيزة لإقامتها في البيت مثلا مع الأبناء إذا وصل العدد أقل الجمع..

ورجوعا إلى هذه النازلة لابد أن نفهمها واقعيا وطبيا واجتماعيا ومآليا قبل أن نتكلم فيها شرعيا..

والله أعلم

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة