أستاذ بجامعة باريسية: الدول الداعمة لحفتر حاولت زعزعة توازن القوى من خلال فرض سلطة استبدادية عن طريق قوة السلاح

في مقال تحليل بموقع OrientXXI الإلكتروني الفرنسي، توقف علي بن ساعد، أستاذ جامعة المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية (باريس 8)، عند التدخلات الخارجية وتداعياتها على ليبيا، قائلاً إن العديد من القوى الأجنبية ساهمت في استمرار تدهور الوضع في ليبيا، بحيث أعادت إلى الواجهة مسؤولين من النظام السابق بتفضيلها الخيارات العسكرية على حساب الحلول السياسية.
وأضاف الكاتب أن الفوضى التي غرقت فيها ليبيا تعتبر تبريرا لهذه التدخلات الأجنبية المختلفة، كما يُنظر إليها كنتيجة لفشل سياسي في مواجهة العنف وتفتيت البلاد. ويأتي انسداد الطريق أمام المبادرات السياسية المختلفة في سبيل ضمان انتقال سلمي وتوافقي، بالإضافة إلى الخلاف الدائم بين نُخبها، ليؤكد هذا الفشل. ما قوّى بالنسبة لبعض القوى الدولية إغراء الحلّ العسكري والإيمان بـ “الرجل القوي”، يوضح الكاتب.

وتابع علي بن ساعد مقاله في موقع OrientXXI الفرنسي بالتوضيح أن الحرب الأهلية في ليبيا وفّرت أرضية خصبة لمضاعفة التدخلات الأجنبية، وأن التجاور الحدودي بين مصر وليبيا منح امتيازاً إقليمياً لمحور مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الداعم للمشير خليفة حفتر. وهو ما يفسر تحول الازدواجية المؤسسية (حكومتان وبرلمانان) إلى تقسيم ترابي شرق/غرب، والتي غالبًا ما يتم تحليلها من زاوية جهوية قورينائية (نسبة للإقليم التاريخي الذي يسمى اليوم برقة) متكررة، في حين أن وحدة هذا البلد الشّاسع -رغم خصائصه الإقليمية البارزة- مكسبٌ لا يناقشه أي طرف. كما أن فرنسا، هي الأخرى، رأت في حفتر الرجل القوي القادر على توحيد البلاد، فوضعت إمكانياتها رهن إشارته: شحنات وفيرة من الأسلحة عبر مصر، و“مستشارون”، ودعم استخباراتي جوي، ونشر عناصر من القوات الخاصة وعناصر المديرية الفرنسية العامة للأمن الخارجي.
واعتبر الكاتب أنه، واعتماداً على تكتلها حول حفتر، حاولت هذه الدّول سالفة الذكر زعزعة توازن القوى، من خلال فرض سلطة استبدادية عن طريق قوة السلاح، فقد قامت هذه القوى بدعم وتمويل وتسليح وإلهام المشير حفتر -ولو جزئياً- في هجومه على الفاشل على طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان 2019، عشية مؤتمر وطني يجمع الليبيين. كان هذا اللقاء ليشكل الأول من نوعه الذي يعقد على الأراضي الليبية ويجمع طيفاً واسعاً من الجهات الفاعلة، وكان من شأنه أن يُسفر عن تنظيم انتخابات. وقد استهدف هذا الهجوم من خلال إجهاض المؤتمر، إغلاق الباب نهائياً أمام أيّ حل سياسي. كما أن بدء الهجوم تزامناً مع يوم زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان رسالة واضحة وجافّة إلى الأمم المتحدة مفادها إبعادها من العملية السياسية العسكرية في ليبيا.
وتابع الكاتب القول إن مواصلة الإستراتيجية التدميرية تجلّت من خلال غارات جوية مميتة متزايدة استهدفت المدنيين وأشركت بشكل مباشر القوات الجوية الإماراتية والمصرية، قبل أن تصل تعزيزات الطائرات السورية مؤخراً إلى بنغازي، فيما وسّع دخول روسيا المشهد دعما لحفتر نطاق التدخل الأجنبي. يتجاوز عدد أفراد القوات الروسية اليوم -والمتألفة من مقاتلين من شركة الأمن الخاصة “فاغنر” المحنكين في الأساليب المتطورة للحرب- الألف جندي، ويستجيب حضورهم لارتفاع النزيف في صفوف قوات حفتر. في هذا السياق، لتزايد مستوى التدخل الأجنبي، أتى الانخراط التركي عبر إرسال قوات.

وهكذا أصبحت القوى الأجنبية الفاعل الرئيسي والمباشر في الصراع. وقد أدّى انخراط دولتين عضوين في مجلس الأمن الدولي (أي روسيا وفرنسا) إلى تحييد هيئة الأمم المتحدة، ومنع أي محاولة لكبح التدخلات الأجنبية لتفادي تصعيد الصّراع. حتى اليوم لم تستطع الأمم المتحدة حتى التصويت على قرار يدين الهجوم، ناهيك عن اتخاذ أي خطوة لمحاولة وضع حد له. كما أسفر دعم فرنسا لحفتر وصراع النفوذ بينها وبين إيطاليا عن تحييد أوروبا في الملف الليبي، وفق الكاتب.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة