بيننا و بينكم الجنائز

بقلم سفيان أبوزيد

بيننا و بينكم الجنائز” مقولة مشهورة منسوبة لبعض الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره…
هل معنى ذلك أن كثرة شهود الجنائز دليل على حقية صاحبها وصدقه وصوابيته؟
هل قلة شهود الجنازة دليل على ضلال صاحبها؟
هل قيلت تحديا؟
هل الجنازة مقياس ومعيار؟

لي في ذلك نظرات:

أولا- اتباع الجنازة أمر متعارف عليه بين أغلب بني البشر بغض النظر عن دينهم وعرقهم، فهو تصرف إنساني يقوم به الناس لما يربطهم بالميت من روابط وعلاقة قرابة أو عمل أو دين أو غير ذلك..
جاء الإسلام ليعزز هذا المعنى ويقويه موافقة لمبادئ الفطرة التي جاء لترسيخها، ويضفي عليها معنى الثواب والأجر الأخروي، ويضيف لها معاني إيناس الميت والدعاء له والشفاعة له وتكريمه حيا وميتا، ويرفعها إلى درجة الحق الواجب على المسلم تجاه أخيه…

ثانيا- كلما كان صاحب الجنازة معروفا مشهورا كانت جنازته كبيرة، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو انتمائه، وهناك عوامل تساهم في في تلك الشهرة لا تحصى ولا تعد، فقد تجد أصلح الصالحين وليس له تابع، وأفجر الفاجرين يتبعه الجحافل، وهذا ما يصدقه الواقع، فكم من صالح لم يعرف بموته أحد، أو منع الناس من اتباع جنازته، أو كان مغمورا لا يعرفه أحد، وكم من طالح أو مفسد أو مستبد، جمعت الجموع قسرا لحضور جنازته، وقد يفهم هذا المعنى من قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي النبي غدا يوم القيامة ومعه الرهط، ويأتي الآخر ومعه الشخص الواحد، ويأتي الآخر وليس معه أحد..فإذا كانت قلة التابع في الدين والحياة ليست دليلا على ضلال المتبوع، فمن باب أولى في حالة الجنازة والممات..

ثالثا- لسنا ملزمين بالحكم على الناس، وتتبع أسرارهم وخفاياهم في حياتهم وبعد مماتهم، بدعوى الوصول إلى مبشرات أو منذرات، فهذا من الفضول المقيت الذي يشمله قوله صلى الله عليه وسلم( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) إن ظهر من ذلك أمر دون تكلف البحث عنه فبها ونعمت، وإلا فننشغل بأنفسنا وذواتنا في هذه الأمور، نسأل الله الستر والعفو والعافية..

والجنازة والخاتمة وأحوالها وأجواؤها مجرد إشارات تضاف إلى سجل صاحبها، وليست مبيِّضة ولا مسوِّدة، فهذه الأمور نرجئ الحكم فيها إلى بارئها، الذي أوصانا بذكر موتانا بخير ما عرفوا به…

رابعا- الذي يظهر لي: أن هذه المقولة ليست تحديا يصرح به صاحب الحق ليظهر أحقيته، أو يصرح به أتباعه ليبينوا حقية صاحبهم، وباطل خصومهم، كما قيل إن جنائز المعتزلة الذين تآمروا على أحمد بن حنبل لم يتبعها أحد… ولو قيلت تحديا، فهو تحد باطل، لأنه كما سبق، كم من مفسد تبعه الآلاف في جنازته..
إذن فالجنازة كما سبق ليست مقياسا ولا دليلا، وإنما صرح بها أناس ومنهم الإمام أحمد بن حنبل كأظهر مثال نسبت له، لما تعرضوا له من قمع وظلم وتشويه وحجر وإقامة جبرية ومنع من الظهور والتصدر ومن وسائل الإعلام، ومن القيام بأنشطتهم العلمية والدعوية والتربوية والثقافية والاجتماعية المشروعة والتي كفلها لهم القانون كحق من حقوقهم، فجراء هذا القمع وذلك الطمس والتشويه، فهي إصرار من كل مظلوم مورس عليه القمع والطمس والتشويه، أنه مهما قمعتم وطمستم وشوهتم فجنائزنا ستكون معالم مكانتنا…
فجراء هذا القمع وذلك الطمس والتشويه، صدحوا بهذه الكلمة ليقولوا لمانعهم ومنكلهم وقامعهم، نحن هنا، فإن قمعتمونا في حياتنا، فأرواحنا وعقولنا بعد الموت ستفك كل تلك القيود، لنتطلق حرة أبية تنشر معاني العزة والكرامة لتكون سرجا وقناديل لحجافل الأحرار، وإن كنتم قدرتم على قمعنا في حياتنا فجنائزنا ستبين لكم بأن جهودكم القمعية قد بائت بالفشل…ويقولون لهم: قمعتمونا ومنعتمونا ليغمر ذكرنا وذكر الحق الذي ندعو له، فموعدنا يوم جنائزنا لتروا عدد تابعينا ومحبينا…

كانت أيدي القمع في تلك العصور تقف عند المقدسات والحرمات فلا تتجرأ عليها فتقف عند المساجد وتحترم الجنائز فلا تتسلط عليها منعا وقمعا، ولكنها اليوم تدنس كل مقدس..

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة