حدود الترسانة الإعلامية لـ “الإمارات” في مصر!

وكما قالت العرب: “بصلة المحب خروف”، فقد وصفت في الوقت ذاته “العزومات غير الجادة”، بـأنها “عزومة مراكبية”!
فيحدث أن يلتقي قاربا صيد.. في البحر طبعاً، فأين ستلتقي القوارب؟ في طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي مثلا؟ فيكون طلب سكان أحدهما من الآخر: “تفضل”، وفي البادية تكون “العزومة” جادة، وليس شرطاً أن تكون على قدح من الشاي، أو على الغداء، فدائما يُقال في هذه المناسبات ما قالته العرب: “بصلة المحب خروف”، أما في “عرض البحر”، فإن “تفضل” هي كلمة هو قائلها، ربما لا يستمع الرد عليها، فهي “عزومة مراكبية” لا أكثر!
وقد “عزم” الإعلامي أحمد موسى، الفائز بجائزة أحسن إعلامي في منطقة الشرق الأوسط ووسط الدلتا، على رفيق دربه الإعلامي أيضا “نشأت الديهي” بأن يحل ضيفاً على برنامجه على قناة “صدى البلد” وقتما يريد، وكانت المناسبة بعد الإعلان عن اغلاق قناة “تن” في نهاية هذا الشهر، بما يعنيه هذا من تسريح الزميل “الديهي”، وليس هو وحده من سيسرح في قرار الإعلاق، فهناك “عمرو عبد الحميد” مراسل “الجزيرة” سابقاً من موسكو، والذي لم يقدم له أحمد موسى” العرض نفسه، الذي اختص به زميله “نشأت”، والذي كان سابقاً في الخيرات، فقال قبل أيام عبر برنامجه قصيدة شعر في أحمد موسى، ووصفه بأنه “الأستاذ المعلم”!
أما أنها “عزومة مراكبية”، فلأن العرض لم يحدد وقتا، أو زمناً، وليس هو عرض بالعمل، فقد تلخص في أن برنامج موسى مفتوح لنشأت الديهي، كلما رغب أن يقول شيئاً، ليذكرني هذا بشعار رفعته جريدة “المساء” المصرية في صفحة الرأي، تمثل في مقدمة كانت تنشر يومياً وتدور حول التعجب من كتاب مصريين يكتبون في الخارج، فلماذا يفعلون هذا وجريدة “المساء” مفتوحة لهم والحرية التي كرسها الرئيس مبارك تتحمل كل الآراء؟ دون أن تلزم الجريدة نفسها بشيء مقابل الكتابة فيها، إذا تجاوزنا أمرين الأول مرتبط بأهميتها كصحيفة خفيفة تهتم بالتسلية، والثاني مرتبط بالمقابل نظير النشر. هذا ناهيك عن أن الحديث عن سقف الحرية لم يكن حقيقياً. لكننا كنا بعد مرحلة حكم السادات مباشرة، الذي كان يتعامل مع من يكتبون في صحف الخارج على أنهم أعداء للوطن “دول بيهاجموا مصر في الخارج يا ولاد”!
في حين أن العرض الحقيقي، الذي كان من المفروض أن يقدمه موسى لزميله، أن يقنع صاحب محطة “صدى البلد”، بالتعاقد مع “نشأت الديهي”، ما لم يكن الذين يديرون ملف الإعلام في مصر الآن والتابعين للجهاز السيادي المعروف، قد قرروا إغلاق قناة “تن”، وطي صفحة “الديهي”، وربما العاملين معه في القناة المغلقة، وإن كنت أعتقد أن “عمرو عبد الحميد” سيكون خارج عملية التسريح هذه، لأنه يتحدث اللغة الروسية كما بوتين، في مرحلة يريد فيها السيسي أن ينعطف شرقاً، وإن كان الأمريكان لن يسمحوا له بذلك!

شجرة العائلة

الخبر المهم في هذه القصة، ليس في “عزومة أحمد موسى”، التي تفتقد للجدية، ولكن في أن قناة “تن” قد تقرر إغلاقها في نهاية هذا الشهر، ولأسباب تمويلية، وبإعلان استباقي فهمت منه، أن يأتي مغلفاً بعرض القناة على من يريد، شراءها أو تمويلها.. هكذا أوحت لي صيغة الإعلان المنشور!
لا سيما وأنها ليست المرة الأولى، التي تباع فيها هذه القناة، التي من المفيد أن نعرف قرارها بالبحث في شجرة العائلة.
فقد صدرت في بداية الثورة مباشرة باسم “التحرير”، وهي فكرة خاصة بإبراهيم عيسي، الذي ثبت بالتجارب الصحافية المتعاقبة أنه “تاجر شاطر”، فبينما عموم الثوار في حالة ارتباك بعد الثورة، وقد أربك المجلس العسكري الحياة السياسية، كان هو يعرف هدفه تماماً، لقد حصل على ترخيص باسم الميدان الأشهر لـ”ثورة يناير” وأيقونة هذه الثورة، وكان أهم شريك له، ويبدو أنه صاحب رأس المال بالكامل، هو أحد رجال الأعمال الذين ارتبطوا بنظام مبارك، والذي أقدم على هذه الخطوة من باب غسيل السمعة، وحتى يلتحق بالثورة من أوسع الأبواب، فلما قضى منها وطراً، صار فيها من الزاهدين، وتقرر بيعها لرجل أعمال آخر، سبق له الترشح على قوائم الحزب الوطني لانتخابات مجلس الشعب في أيام مبارك، قبل أن يشتري حزباً أمنياً، وصحيفة تحمل أيضاً اسم “التحرير”، أصدرها إبراهيم عيسى أيضا!
وإذ توقفت الجريدة عن الصدور، لأسباب مرتبطة بالتمويل، فضلا عن أن اسم “التحرير” لم يعد مغرياً في هذا الزمان، فقد تم تغيير اسم قناة “التحرير” إلى “تن”، وبيعها لبائع مجهول في حينه، لكن عندما تقرر اغلاقها مؤخراً كان الخبر الأهم من خبر الاغلاق هو أن الجهة المالكة لها هي دولة الإمارات العربية المتحدة، فهل اشترتها الإمارات لتقطع أي صلة لها بالثورة المصرية ولو من باب الاسم وهو “التحرير”، مع التسليم بأن لها فيها مآرب أخرى؟!
ويبدو أننا لن نعرف وسائل الإعلام المختلفة المملوكة للإمارات إلا عند الاغلاق، كما حدث بالنسبة لقناة “الحياة” عندما قررت الجهة السيادية إياها وضع يدها على عدد من القنوات التلفزيونية ومن بينها “الحياة”، بنقل الملكية، فما هو حجم الترسانة الإعلامية للإمارات في القاهرة؟!
لقد كانت الإمارات حريصة مبكراً على تملك وسائل إعلام في مصر، ولنا أن نعلم أن “الحياة” أطلقت قبل الثورة، وكان الهدف منها منافسة قناة “الجزيرة”، بعد الفشل في منافستها في الملكية المعلنة، والانطلاق من مدينة الإنتاج الإعلامي في دبي، فقد فشلت قناة “العربية” وملحقاتها، كما فشلت قناتا “دبي” و”أبو ظبي”، رغم الاستعانة بكوادر إعلامية كبيرة، ولم يبخلوا عليها بالمال، فربما لهذا تقرر تغيير “العتبة”، لتكون مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة هي البديل!

“الحياة” والثورة

وفي أيام الثورة كانت “الحياة”، هي الامتداد الطبيعي للتلفزيون الرسمي، حيث يجري التكامل في عملية تشويها والنيل من الثوار، وكان برنامج “رولا خرسا” اليومي هو إعلان حرب على الثورة ومن يشاركوا فيها، رغم أن المعلن هو أن القناة مملوكة لرئيس حزب الوفد السيد البدوي شحاتة، ليتين بعد ذلك أنها ملكية صورية، تماماً كما تبين الآن أن من يملكون “تن” على الورق هم ملاك صوريون، فالقانون المصري لا يسمح بتملك الأجانب لوسائل الاعلام المرخص لها من قبل الجهات المصرية الرسمية، لكن في مصر يوضع القانون ليبدأ البحث عن ثغراته، ومن خلال هذه الثغرات عرفت مصر الملاك على الورق لوسائل الإعلام، والملاك الحقيقيين، والأمور تكون واضحة للأجهزة الأمنية!
وقد لا يكون مهماً أن نعرف من هم ملاك قناة “تن” في المحررات الرسمية، فماذا أفادنا أن نعرف أن السيد البدوي شحاتة لم يكن مالكاً للحياة، ولكنه مجرد “وكيل أعمال” للإماراتيين، الذي دخلوا على المجال الإعلامي المصري بعد الثورة فأطلقوا قنوات وأصدروا صحفاً، ومن الغريب أن الإخوان سبق لهم أن أداروا حواراً مع بعض الإعلاميين في فترة حكمهم لاستمالتهم، ولم يكونوا يدركون أنهم مكلفون في مهمة، وذلك بدلاً من أن يفتحوا ملفات هذه القنوات، ويتوصلوا إلى حقيقة تمويلها، وهو أمر لا يستدعي أكثر من شهر من البحث ومن واقع السجلات الرسمية، للوقوف على الممول الحقيقي لكل هذا العبث، لكن كانوا – رحمة الله عليهم – طيبين أكثر من اللازم، استدعوا وظيفة الداعية فتعاملوا مع هؤلاء الإعلاميين على أنهم من المؤلفة قلوبهم!
ورغم هذا الحضور الطاغي للإماراتيين في مجال الإعلام، فإن هيكل، رحمة الله عليه، تفلسف وقال للقطريين وهو يحرضهم على إغلاق قناة “الجزيرة مباشر مصر”، ليس منطقيا أن يمول بلد إعلاما يستهدف التأثير في بلد آخر، ساعتها كتبت وماذا عن قناة “أم بي سي”؟! ناهيك عن أن التجربة الناصرية التي ينتمي لها هيكل عرفت الإعلام الموجه ومارسته واشترت صحافيين وما إلى ذلك، لكن ليس هذا هو الموضوع!
فالموضوع هو هذه الاستباحة، التي تمارسها الإمارات لمجال الإعلام في مصر، وهو ما تجلى بعد الإعلان عن ملكية قناة “تن”، والذي لم يكن واضحاً كل هذا الوضوح، كما في حالة “الحياة”، التي كان المعلن أن ملاكها رجال أعمال إماراتيون يملكون شركة للأدوية، لكن المعلن الآن أنها الدولة الإماراتية، التي تظل حدود ملكيتها لوسائل إعلام من الأمور، التي يتم تداولها دون إمساك الدليل عليها، فالدليل بيد السلطة الموالية، ونعلم مثلا أنها تملك صحيفة يومية على سبيل المثال لا الحصر، ولن يتم إعلان هذا إلا عندما تغلق الصحيفة ويسرح العاملون فيها!
السلطة توالي، لأنها مستفيدة، ويبدو أنها تتعامل مع الإمارات بطريقة التعامل نفسها مع المنظمات الحقوقية، فالجهات المانحة للمساعدات تشترط أن تذهب نسبة لهذه المنظمات مقابل تقديم مساعدات للسلطة، وعندما نقرأ أن الإمارات دفعت مليار جنيه مبدئيا لإطلاق سبع قنوات ضمن باقة “دي أم سي” أو قناة “المخابرات، فيمكن أن نفهم سكوت نظام السيسي على تمويلهم لفضائيات أخرى مملوكة نظرياً لأفراد!
ومن المعلوم أنه أطلقت قناة واحدة، وتم التراجع عن قناة الأخبار بعد عامين من العمل تحت الهواء في انتظار اللحظة المناسبة لإطلاقها، وقد بشر بها السيسي أنها ستكون قناة إخبارية كبيرة، ربما من باب الغواية، فلما دخل التمويل تم التراجع عن فكرة القناة!
وإذا كانت الإمارات في سبيل مخططها للتوسع والسيطرة، تنفق المليارات على الإعلام المصري؟ فكيف يمكن أن يقبل بهذا الحاكم العسكري؟!
في انتظار أن تستقبل قناة “صدى البلد” برنامج “نشأت الديهي” ولا يتم الاكتفاء بـ “عزومة المراكبية”!

شاهد أيضاً

كل ما تحتاج معرفته عن حراك الجامعات الأميركية

محمد المنشاوي واشنطن- عرفت الجامعات الأميركية مؤخرا حراكا طلابيا واسعا احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على …