ليست مجرد صدفة.. الهندسة والرياضيات في الفن الإسلامي

تحيط بنا أنماط الفن الإسلامي في أماكن متعددة، خاصة المساجد الأثرية الكبيرة التي بنيت بأنماط الفن الإسلامي القديمة، بكل عناصرها من فسيفساء وأرابيسك وزخارف خطية بكتابات من القرآن الكريم.

ربما يظن البعض أن تلك التصاميم مجرد جماليات اختارها الفنان بالصدفة أو تبعا لذوقه الخاص، لكن حقيقة الأمر أن الفن الإسلامي لم يقم على الصدفة، بل قام على الهندسة والرياضيات، ليؤكد فكرة الإسلام الكبرى؛ وهي عدم وجود صدف في خلق الإنسان والكون، بل هي إرادة الله التي تنظم معايير الكون المختلفة.

لم يُستعمل الفن الإسلامي أداة لشرح النصوص القرآنية، أو وسيلة مباشرة لخدمة الدين الإسلامي، لكنه استلهم الرؤية الإسلامية الفلسفية الكبرى (التوحيد) التي حاول الفنان تحويلها إلى نظام فني محكم بين الخطوط والمساحات والألوان، والعلاقات بينها.

وبالنظر إلى الخط في الفن الإسلامي، نجده خطا متحررا ولا نهائي، مكونا من وحدات هندسية وعناصر نباتية، في ترابط بين الخطوط والفراغ من حولها بشكل تكراري هندسي، يتماشى مع فكرة الخلق في الدين الإسلامي، التي تبتعد تماما عن الصدف أو الفوضى، مع تأكيد التكرار الذي يعبر بشكل مثالي عن فكرة العودة الأبدية إلى الله في نهاية الأمر.

التجريد والرمزية من أهم ما يميز الفن الإسلامي، إذ لم يهتم الفنان المسلم بتفاصيل الأشياء التي يصورها أو يرسمها، لكنه كان أكثر اتصالا بجوهرها وما يشير إليه أو يرمز له، متجنبا استعمال المنظور والاتجاه نحو التسطيح التام؛ حتى يبتعد تماما عن فكرة تمثيل ما خلقه الله.

تمثل نقطة انطلاق الخط الزخرفي في الفن الإسلامي تماما العقيدة الإسلامية؛ فالنقطة عندما تتحرك تتحول إلى خط، والخط يتحول من الوجود إلى العدم كلما تحرك. تؤكد عناصر الفن الإسلامي حركة العناصر في اتجاه المنتهى أو الإله، من خلال الإيقاع الهندسي للوحدة المرسومة.

المكونات الرئيسية للفن الإسلامي
بالنظر إلى الفن الإسلامي على مدار قرون وحتى الآن، نجده يعتمد على ثلاثة مكونات رئيسية، هي: الأشكال الهندسية، والخطوط، والزخارف النباتية المستلهمة من الطبيعة، حيث تتحول القوانين الإلهية إلى أشكال هندسية معقدة للتعبير عن فلسفة الدين الإسلامي، أو بعض قصصه، بأشكال ديناميكية متكررة ولا نهائية.

من أشهر تلك الأنماط الفنية نمط الفسيفساء المعروف باسم شبكة العنكبوت، وهو عبارة عن نمط دائري من النجوم المتشابكة التي تعكس أصداء حكاية غار حراء وشبكة العنكبوت التي حمت محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق، بالإضافة إلى وجود مركز دائري يؤكد فكرة مركزية خالق الكون.

يعد من أهم الإسهامات الرئيسية للفن الإسلامي تجاوز المفاهيم التقليدية المحدودة للتمثيل المباشر من خلال رسم الأشكال البشرية ونحتها، إلى عالم غير محدود من التصاميم المجردة التي تأخذ المشاهد إلى عالم جديد مختلف تماما وأكثر حرية وديناميكية من العالم الواقعي، وأهم هذه الإسهامات:

النمط الهندسي: وتعتمد فيه الزخرفة الإسلامية على بناء من الخطوط المستقيمة المتداخلة من المربعات والمثلثات والمثمنات، لتعبر كل تلك الأشكال عن رغبة الفنان في الحفاظ على التماثل والتوازن في تصميماته.

الأرابيسك: يعتمد هذا الفن على التناظر والتكرار الذي يمنح المشاهد إحساسا بالحركة المفتوحة، ما وراء الحدود المنظورة لقطعة الأرابيسك؛ كل هذا الترابط والتداخل يؤكد النمو والحركة والتقدم، ويعكس الفلسفة الإسلامية في وحدة الكون الكبير، ووحدانية الخالق.

الخط العربي: بما أن القرآن الكريم هو معجزة الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كان واجبا حفظ القرآن عن طريق الكتابة منعا لأي انحرافات في تداوله الشفهي، من هنا جاءت أهمية الخط العربي، وحاول جميع الخطاطين جعل كلمات القرآن جميلة وممتعة بصريا، عن طريق تدوينه بكل أنواع الخطوط. ويمكن اعتبار الخط الإنجاز الفني الجامع لكل أشكال الفن الإسلامي.

اللون في الفن الإسلامي
تبعا للطبيعة الرمزية للفن الإسلامي، فإن الألوان المستخدمة في الفن الإسلامي أيضا لها دلالات رمزية، مع عدم استخدام الكثير من الألوان المتناقضة واستخدام الألوان الأساسية الأولية فقط، مثل الأزرق والأبيض والأسود المستوحاة من ألوان الطبيعة وآيات القرآن الكريم؛ كما في قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ” (27-فاطر). بالإضافة إلى الأخضر الذي ذكر في القرآن كلون لملابس أهل الجنة والوسائد الحريرية بالفردوس الأعلى، والذهبي الذي يشير إلى النعيم العظيم.

كتب الفيلسوف والرحالة الألماني الشهير بوركهارد أن الفنان المسلم أراد التعبير عن الفكرة الرئيسية للإسلام والوجود الإلهي عن طريق ثلاثة عناصر يمكنه التعبير من خلالها، وهي: الهندسة والإيقاع والنور، مما يرمز إلى النور الإلهي، والألوان هي العنصر الذي يبرز جمال النور وطبيعته المضيئة. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يكون الاستخدام المكثف للألوان في الفن الإسلامي ضمن محاولات الفنان لاستحضار الجنة كمكان غني بالجمال والألوان، كما ذكرت في القرآن الكريم

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة