المعتقلات المحررات السوريات يؤسسن تنظيمهن

تحاول المرأة السورية المحررة من الاعتقال مواجهة المجتمع الذي يرفضها في جوانب عديدة ويقبلها بأخرى، فما زالت تلك المعتقلة المحررة الحلقة الأقوى والأضعف في آن واحد معا.

تقول الثلاثينية رنا سليمان الآغا للجزيرة نت إنه “على الرغم من التطور والتقدم الذي بات في عالمنا اليوم فإننا ما زلنا نرتبط ارتباطا وثيقا بالعادات والتقاليد والأعراف التي تحكم علينا وتجلدنا بسوط كلماتها القوية غير مكترثة بما تتركه من آثار وانكسارات جسيمة في نفوسنا المتعبة التي أنهكتها سنوات الاعتقال المرة والمظلمة تلك”.

وتوضح رنا حكايتها بالقول “اعتقلت سنة 2016 ووجهت إلي تهم عديدة، منها مساعدة الجيش الحر وتهريب السلاح إليه، وخلال اعتقالي في سراديب الظلام التابعة للنظام فقدت والدتي التي ماتت قهرا على اعتقالي، وبعد خروجي من السجن تعرضت لانتقادات المجتمع وأسئلته الكثيرة عما إذا اغتصبت أو هل تم التحرش بي، أسئلة كانت تشعرني بألم أشد من الألم الذي تعرضت له في السجن كونه موجها من أناس يعانون ما أعانيه من النظام الفاشي الذي لا يرحم”.

وتضيف أن قسوة المجتمع دفعتها لأن تكون من المشاركات الأوائل في “مؤتمر المحررات” الأول في الشمال السوري الذي يهدف إلى تمكين وحماية ودعم النساء المحررات (الناجيات من الاعتقال)، سواء كان ذلك معنويا أو من خلال تأهيلهن لإثبات وجودهن لتكون لهن الكلمة المؤثرة والفعالة في المجتمع على الرغم من جميع ما مررن به من صعوبات وعقبات حالت بينهن وبين تحقيق أحلامهن وطموحاتهن المستقبلية.

المعتقلات يعانين من نظرة المجتمع القاسية والمهينة لهن (الجزيرة)
المعتقلات يعانين من نظرة المجتمع القاسية والمهينة لهن (الجزيرة)
وسام شرف
تقول علا برهان -وهي إحدى المعتقلات السابقات من منطقة الزبداني المهجرة للشمال السوري والقائمة على مؤتمر “المحررات”- إن هذا المؤتمر جاء على خلفية ما تتعرض له المعتقلات المحررات من نظرة المجتمع القاسية لهن، كما أن الهدف الأول للمؤتمر هو توحيد المحررات الناجيات، بالإضافة إلى تنظيمهن ككتلة واحدة ومساعدتهن على انتخاب وتشكيل لجنة منهن تكون مسؤولة عن كل ما يتعلق بالكيان من هيكلية أو عضويات.

وتوضح المحررة السابقة أن دور الميسورين هو تقديم المساعدة بدورات الحماية والتمكين والاندماج في المجتمع، إضافة إلى تأمين الخدمات اللوجستية على مدى ثلاثة أشهر تكون المحررات من خلالها قادرات على الاندماج في سوق العمل والتعليم والتنمية والدعم النفسي، إضافة إلى تمكينهن حقوقيا وسياسيا ليصبحن قادرات على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات وتشكيلها.

وتتابع علا حديثها “إننا اليوم أنا وجميع المعتقلات فخورات باعتقالنا لأنه وسام شرف لنا لأننا قادرات على مساعدة ومساندة بعضنا، بتحدينا لواقعنا الذي فرض علينا رغم جميع الضغوطات التي تعترضنا، سواء من ناحية الاعتقال والتعنيف سابقا أو من ناحية رفض المجتمع وعدم تقبله لنا، فنحن بالنهاية لم نختر هذا الشيء بل كان نتيجة تقديمنا شيئا مفيدا يصب في مصلحة خدمة مجتمعنا وثورتنا السورية”.

افتتاح المؤتمر كان عبارة عن تجمع وتوحد للمعتقلات المحررات (الجزيرة)
افتتاح المؤتمر كان عبارة عن تجمع وتوحد للمعتقلات المحررات (الجزيرة)
الوحدة هدفنا
من جهتها، توضح أم خليل خريجة جامعة دمشق قسم الأدب الإنجليزي ومعتقلة سابقة وناشطة ثورية ومشاركة ومنسقة قائمة على تأسيس مؤتمر المحررات أنه في البداية جاءت فكرة تأسيس هذا المشروع بعد حادثة حصلت أمامها في أحد مراكز ومنظمات الإغاثة، وهي إهانة المعتقلات لفظيا وطردهن من المركز ومن هنا بدأت انطلاقتهن، ولأنهن تذوقن ما يكفي من الذل بسبب الاعتقال فلن يسمحن باستغلالهن وإهانتهن من أجل سلة إغاثية أو تدريب مأجور، فهدفهن ورسالتهن أعظم وأعمق من ذلك.

وكان افتتاح المؤتمر عبارة عن تجمع للمعتقلات من أجل توحيدهن وانتخاب لجنة تتكلم باسمهن كمحررات أمام المنظمات الدولية والمنظمات العاملة في المنطقة، فكان من أهم نقاطه الرئيسية التوحد والتعبير عن الذات لمنع استغلالهن من قبل البعض، وليصبحن المنسقات لأي عمل يستهدف المحررات في الشمال السوري.

وتشير أم خليل إلى أن عددهن كان حوالي 100 محررة، حضر منهن القسم الأكبر، وكان هذا المؤتمر بمثابة النقطة الأولى لتشكيل اللجنة الإدارية من أجل إيجاد لجان في كافة المناطق المحررة مثل عفرين وأطمة وكفر نبل، لتكون هذه اللجان الوحيدة التي تمثل المعتقلات حتى لا يتم استغلالهن ثانية وليصبحن معيلات لأنفسهن بإنشاء المشاريع التي تكفيهن عن انتظار أي عمل من أي منظمة، إضافة إلى وجود تنسيق وتوثيق مع منظمات حقوقية لرفع قضايا ضد النظام السوري.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة