“إنه الجحيم”.. بيروقراطية إسرائيل كابوس في وجه المقدسيين

رغم أحد الأحكام القضائية، لا يزال الفلسطينيون بالقدس الشرقية يُجبرون على الانتظار في طوابير مهينة للحصول على الخدمات الأساسية مثل تسجيل المواليد والوفيات ويخضعون لإجراءات تفتيش مذلة.

ورد ذلك بتقرير طويل نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني ناقلا عن السكان وعدد من محاميهم بالفرع الوحيد للداخلية الإسرائيلية بالقدس الشرقية القول إن المسؤولين يتباطؤون عن قصد في أداء عملهم بالفرع حتى يجعلوا حياة الفلسطينيين غير محتملة وإجبارهم على مغادرة القدس الشرقية.

وذكر التقرير أن المنسق مع مركز “هاموكد” للدفاع عن الأفراد بالقدس إيريز فاغنر- الذي رفع دعوى أمام المحكمة العليا في محاولة لتحسين الوضع- وصف الحال بأنه “جحيم ليس إلا”.

ووصف التحديات التي يواجهها سكان القدس الشرقية في فرع الداخلية “يُسمى فرع وادي الجوز” بأنها جزء يسير من متاهة الاحتلال الذي جعل حياة الفلسطينيين كابوسا من البيروقراطية لعقود من السنين.

وثائق لا تحصى
ونتيجة لهذا الاحتلال الذي بدأ عام 1976، يحصل كل فلسطيني يولد بالقدس الشرقية على إقامة مؤقتة، وهو ما يجعله بلا دولة تماما. وحتى التمسك بهذه الإقامة المؤقتة يمثل مشكلة لحاملها. فإحدى العقبات القانونية وسط أخرى كثيرة أن يثبت المقدسي بشكل مستمر أن المدينة “مركز حياته” وذلك بإبراز عشرات الوثائق بما فيها عقود إيجار المسكن، وقصاصات استلام المرتب، وفواتير الكهرباء والماء، وإيصالات الضرائب… إلخ.

ويجب تسجيل الأطفال مقيمين بالقدس الشرقية حتى يُسمح لهم بدخول المدارس المحلية والحصول على تأمين صحي، وعلى الأزواج تسجيل زواجهم حتى يُسمح لهم بالعيش معا بالمدينة.

يصلون تحت تهديد الشرطة بوادي الجوز بالقدس الشرقية (رويترز)
يصلون تحت تهديد الشرطة بوادي الجوز بالقدس الشرقية (رويترز)
وجميع هذه الخدمات يمكن الحصول عليها في فرع وادي الجوز فقط، الأمر الذي يترك الفلسطينيين أمام خيار صعب: إما استئجار محامي أو الانتظار في الصف.

واستمر التقرير يسجل الإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون قائلا إنهم من كل الأعمار، رضعا وكبار سن وذوي احتياجات خاصة، يقفون تحت الشمس الحارقة في صف طويل يتلوى كل يوم خارج مداخل فرع الجوز.

وليس هناك ما يوفر ظلا أو مقعدا أو حماما، ومعظم المنتظرين يكونون قد جاءوا قبل شروق الشمس للحصول على موطئ قدم في الصف.

الإغماء أثناء الانتظار
ونقل عن مركز “هاموكد” إن الإغماء أمر عادي، وفي بعض الأحيان يحدث أن يغادر شخص مريض الصف ويتخلى عن محاولته للحصول على خدمة ضرورية لعجزه عن الوقوف لساعات.

وتقول فداء عباسي إن ساعات الانتظار في الصف مع المعاناة التي يواجهها الفلسطينيون مع الحراس الراغبين في إذلال المصطفين هو رأس جبل الجليد. فبعد الوقوف لساعات خارج المقر، على الفلسطينيين أن يعبروا مدخلا معدنيا، ثم يبدأ الحراس الإسرائيليون يدعونهم واحدا بعد واحد ليمروا مرة أخرى عبر أجهزة تفتيش معدنية وتفتيش حقائبهم تفتيشا دقيقا. فإذا وجدوا أحدا يحمل قارورة ماء، فعليه أن يأخذ جرعة منها أمام الحراس.

وعلقت العباسي على الوضع بأنه مثل القاعدة العسكرية، إذ يُمنع التصوير وأحيانا يقوم الحراس بمصادرة قوارير مياه الشرب أو أي مواد أخرى.

تطبيق باللغة العبرية
وتقول الصحيفة إن الحكومة الإسرائيلية أقرت تطبيقا على الهواتف باللغة العبرية وأجبرت الفلسطينيين على التسجيل فيه والحصول على مواعيد لأي خدمة من وزارة الداخلية، لكن لا وجود لمواعيد قبل ستة أشهر، وفي أغسطس/آب العام الماضي اعتقلت السلطات أربعة موظفين بالفرع بشبهة جمع مئات الآلاف من الشيكلات مقابل تسهيلات لفلسطينيين للحصول على مواعيد أبكر.

وقالت صحيفة هاآرتز الإسرائيلية إن المحققون عثروا على مئات المواعيد المحجوزة للبيع لدى الموظفين.

اشتباكات بين سكان وادي الجوز بالقدس الشرقية والشرطة الإسرائيلية في 2015 (رويترز)
اشتباكات بين سكان وادي الجوز بالقدس الشرقية والشرطة الإسرائيلية في 2015 (رويترز)
وذكر التقرير أن كثيرا من مواطني القدس الشرقية الذين لا يستطيعون الحصول على موعد مناسب أو لا يستطيعون استخدام التطبيق بالعبرية، يلجئون إلى مساعد قانوني ويدفعون له ما يصل إلى 500 دولار لمجرد حجز مواعيد أو تعبئة استمارة.

ومن يلجأ للحصول على خدمات محامي خاص يدفع رسوما تصل إلى حوالي خمسة آلاف دولار لتجديد إقاماتهم وإلى عشرة آلاف لتسجيل عدد كبير من الأطفال.

ولمن لا يستطيعون الدفع، هناك منظمات مثل “مركز العمل المجتمعي”، تقدم خدمات مجانا. ويقول رئيس المركز محمد الشهابي إن هناك أعدادا لا يستطيع حصرها لمن لجئوا للمركز، وتتعلق معظم الحالات بتسجيل أطفال، ولم شمل الأسر وهو إجراء تفرضه السلطات الإسرائيلية على الفلسطينيين من القدس الشرقية الذين يتزوجون من الضفة الغربية أو ممن يحملون جنسيات أجنبية.

تعسف لا يمكن تخيله
وحكى الشهابي عن زوجين من القدس الشرقية وُلد لهم طفلا بالضفة الغربية لأسباب خارجة عن إرادتهم، لكن مسؤولو الداخلية رفضوا طلبهم لتسجيل مولودهم، وكان رد هؤلاء المسؤولين على الزوجة الباكية “من فعل هذا الخطأ يستحق أسوأ من ذلك”.

وفي مثال آخر، عادت امرأة من سكان القدس الشرقية مع طفل واحد لها من غزة بعد أن طلقها زوجها الذي عاشت معه وأطفالهما حتى 1994، لكن مسؤولي الداخلية رفضوا منحهما إقامة بالقدس لأنها كانت تعيش في غزة. وظلت تعيش منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم بدون إقامة وبدون بطاقة هوية أو حساب مصرفي أو تأمين صحي رغم أنها تمتلك منزلين في القدس.

وكان الموقع قد حاول إجراء مقابلات مع العديد من سكان القدس الشرقية حول المشاكل التي يواجهونها مع سلطات الداخلية الإسرائيلية، لكن كثيرين منهم رفضوا إجراء المقابلات خوفا من العواقب.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة