بين صحوة العقل و تطبيق الشرع

في فترة من الزمن، ولسبب ما.. كتبت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقال بحق أو يذكر بعظيم”.. كتبته على جدار غرفتي بخط كبير..

في هذا الحديث، يدعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عملية عقلية بسيطة، بإجرائها سنرتاح كثيرا..

انظر للناس: ماذا يملكون لك؟
إنهم لا يملكون رزقك ولا أجلك، فلماذا تهابهم؟

لا.. هو لا يريدك شخصا خياليا لا تهاب أحدا من البشر مطلقا، وإنما يعرف أن هيبة الناس قد تقع في قلب المؤمن.. إنما قال لك: أنت وإن وقعت هذه الهيبة في قلبك، فلا تمنعنك من قول الحق!.. لأن الناس لا يملكون رزقك ولا أجلك، والحق أغلى منهم.. إن خوفك الذي يلجمك سيزول.. خوفك سيزول فقط إذا قلت الحق!

وفي الآونة نفسها، وفي ليلة من ليالي الصيف.. كنت أستمع إلى درس في الفقه، ولا أدري ماذا كانت المناسبة التي جعلت الشيخ يسأل الطلبة في درس يشرح فيه فقه الزكاة سؤالا بعيدا، لكن السؤال وجوابه محفوران في قلبي حتى الآن..
قال الشيخ: هل تعرفون من أحمق الناس؟
فسكتوا جميعا، فقال لهم:
“سئل أحد الصالحين: من أحمق الناس؟
فقال: رجل مشى في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره!”
ثم استكمل الشيخ الدرس..

عاش معي هذا الأثر منذ أن عرفته، وكنت أذكره كل حين أتوانى فيه عن رد من أعرف ظلمَه عن ظلمِه، لا سيما إن كان أخي أو أختي..

نحن مأمورون بالترفق مع إخواننا وخفض الجناح لهم والحرص عليهم، بل والذل عليهم في بعض الأحيان.. لكنهم حين يتلبسون بأي صورة ظالمة يكون مجرد السير في أهوائهم.. ليس ظلما كظلمهم ولا عبثا كعبثهم.. بل يكون حمقا!

وهل تعرفون الحمق؟

الحمق يا إخوتي داء بلا دواء، وجرح بلا شفاء، وألم بلا خلاص وعذاب بلا مناص..

إن الحمق أسوأ من الظلم، فإن الظالم يفوز في جولة صغيرة ويخسر في جولة كبيرة، أما الأحمق فإنه يخسر كلا الجولتين!

لقد سمعت كثيرا عن ظالمين يرجعون عن ظلمهم ويمحون آثار المظالم بحسن الفعال، لكنني لم أسمع قطّ بأحمق يرجع عن حماقته؛ ذلك أن الظالم يرجع عن ظلمه بقدر ما فيه من صحوة العقل وزكوة الضمير، وأما الأحمق فكيف يرجع عن حماقته وعقله يسبح في غياهب الموت، وضميره يعالج القرح بالسمّ؟

لهذا، من يخطُ في طريق الحمق خطوة= لن يعود..

اللهم إنا نسألك السلامة من جموح الظلم بلجام التقوى، ومن ظلمة الحمق بنور الإيمان..

شاهد أيضاً

عاشوراء.. دروس في النصر والخذلان من فرعون إلى كربلاء

أدهم أبو سلمية ها هو فرعون يستكبر ويستبد، ويتمادى في الطغيان، ويستحيي النساء، ويذبح الأطفال، …