تعديل القانون الانتخابي بتونس.. إقصاء سياسي أم مساواة بين المترشحين؟

يخفي الجدل المحتدم حول مقترح تعديل القانون الانتخابي قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس صراعا محموما على السلطة، مما دفع مراقبين للتحذير مبكرا من التشكيك في نتائج الانتخابات المقبلة، في ظل الحديث عن انعدام المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين.

وشهدت الجلسة العامة المخصصة لمناقشة تعديل القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بالبرلمان أمس، صخبا كبيرا تسبب بتأجيل الجلسة جراء اختلاف المواقف بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان، وحتى بين الأغلبية الحاكمة رغم أن مقترح التعديل حكومي بالأساس.

وبالرغم من أن نواب الأغلبية الحاكمة المكونة من كتل حركة النهضة والائتلاف الوطني وحركة مشروع تونس ونواب حزب المبادرة، تضم 129 نائبا دون الحديث عن نواب المعارضة الداعمين لمشروع التعديل، فإنهم لم يفلحوا جميعا في جمع 109 أصوات للتصديق على بنود التعديل.

الخلاف بين الأحزاب السياسية حول قانون يضمن لكل حزب الحصة الكبرى من أصوات الناخبين التونسيين (التواصل الاجتماعي)

مضمون التعديل

ويتضمن مشروع تعديل القانون الانتخابي رفع بنسبة العتبة الانتخابية إلى 5% بداية من الانتخابات المقبلة، باعتبارها حدا أدنى من نسبة الأصوات التي يجب الحصول عليها من كل قائمة للدخول إلى البرلمان، بالإضافة إلى استثناءات جديدة تتعلق بشروط الترشح للانتخابات.

وتتمثل هذه الاستثناءات في مقترحات حكومية تفرض شروطا جديدة تمنع كل الأشخاص الذين تتبين هيئة الانتخابات أنهم خالفوا الفصول 18 و19 و20 من المرسوم المتعلق بالأحزاب، والذين قدموا امتيازات مالية للمواطنين أو تلقوا تمويلات أجنبية أو تبرعات داخل البلاد.

كما تلزم تلك الاستثناءات هيئة الانتخابات رفض ترشح من لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور، أو من يدعو إلى العنف والتمييز والتباغض، أو من يمجد النظام الديكتاتوري السابق وممارسة انتهاكات حقوق الإنسان، أو من يمجد الإرهاب.

ولم تطرح هذه الاستثناءات الجديدة عند بداية مناقشة مقترح تعديل القانون الانتخابي في جلسة أولى يوم 19 فبراير/شباط الماضي، وفي جلسة ثانية بتاريخ 30 أبريل/نيسان الماضي، لكنها برزت خلال الجلسة الثالثة بالأمس، في محاولة لقطع الطريق أمام ترشح بعض المرشحين.

وصيغت تلك الاستثناءات وفقا للحكومة والأطراف السياسية الداعمة لها لتحقيق تكافؤ الفرص بين المرشحين، بينما يرى معارضوها أنها صيغت على المقاس، للاستفادة من إقصاء خصوم سياسيين على غرار مالك قناة نسمة نبيل القروي وزعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسى

تكريس المساواة

ويقول النائب عن حركة النهضة أسامة الصغير إن الغاية من التعديلات “تكريس مبدأ المساواة بين المرشحين”، موضحا أن القانون الحالي يمنع الأحزاب السياسية من تلقي تمويلات أجنبية أو تقديم مساعدات للناس في حين يجيزها للجمعيات والمنظمات الأخرى.

ويؤكد الصغير للجزيرة نت أن قانون الجمعيات لم يقنن ضوابط نشاطها بشكل دقيق استجابة لمطلب حرية التنظيم بعيد الثورة، وأنه من غير المعقول الحديث عن تكافؤ الفرص بين مرشحي أحزاب محرومة من التمويل الخارجي ورؤساء جمعيات يقومون بحملات انتخابية مبكرة بدعم أجنبي.

وكانت حركة النهضة أدانت ما اعتبرته تحايلا على الرأي العام من خلال توظيف بعض الأطراف للعمل الخيري والإعلامي بمجال العمل السياسي، في إشارة مبطنة إلى مالك قناة نسمة نبيل القروي الذي أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وتعرض نبيل القروي إلى انتقادات كبيرة ولا سيما من قِبَل الهيئة المستقلة للاتصال السمعي والبصري بحجة أنه يستخدم برنامجا خيريا يبث يوميا على قناته، لتقديم مساعدات للفقراء بغية الوصول إلى كرسي الرئاسة، لكن القروي يرى أن تلك التهم كيدية، وهدفها إقصاؤه من الترشح.

وتصدّر نبيل القروي نتائج سبر (استطلاع) آراء شكك البعض بمصداقيتها حول نوايا التصويت بالانتخابات الرئاسية، تلته المحامية وزعيمة الحزب الدستوري الحر سليل حزب النظام السابق والمناهض لحركة النهضة بنسب متقاربة، بينما تراجع رئيس الحكومة يوسف الشاهد للمركز الرابع.

وينفي النائب عن حركة النهضة أسامة الصغير سقوط تعديل القانون الانتخابي بسبب تعطل التصديق عليه، مشيرا إلى أنه ليس قانونا يخضع لمنطق أغلبية حاكمة ومعارضة، وإنما يخضع إلى توسيع أكبر قدر ممكن من دائرة التوافق السياسي لأنه يتعلق بالتنافس على الانتخابات.

قانون على المقاس

ولكن الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي يقول إنه يرفض تمرير التعديلات المقترحة على القانون الانتخابي في هذا الوقت بالذات، مع اقتراب الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لأنها “صيغت على المقاس بطريقة إقصائية”.

ويضيف المرزوقي في تصريح خاص للجزيرة نت “رغم أن لدي تحفظات كثيرة على صاحب قناة نسمة وممارساته فإني أرفض تغيير قواعد اللعبة قبل فترة وجيزة من انطلاق السباق الانتخابي”، معتبرا أنه كان من الأجدر القيام بتلك التعديلات لتنقيح القانون الانتخابي قبل سنة على الأقل من انطلاق موعد إجراء الانتخابات.

ودعا عددا من الجمعيات الناشطة في مراقبة نزاهة الانتخابات على غرار “مراقبون” و”عتيد” إلى تأجيل النظر في تعديل القانون الانتخابي عقب انتخابات 2019، إلى حين توسيع المشاورات بشأنه وإشراك جميع الأطراف اللاعبة في الساحة الانتخابية لتحقيق أكبر قدر من التوافق حوله.

وتقول رئيسة الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات ليلى الشرايبي إن تغيير قواعد اللعبة الانتخابية في المسافة الأخيرة من الانتخابات يضر بمصداقية الانتخابات ونزاهتها ويفتح الباب إلى التشكيك في نتائجها وإدخال البلاد في أزمة غير محسوبة.

واعتبرت ليلى في حديثها للجزيرة نت أن رفع العتبة الانتخابية له تداعيات سلبية على الأحزاب الصغيرة والمستقلين، مع أن المدافعين عن الترفيع في العتبة يرون أنها سترشّد الترشحات وتمكّن من ضمان برلمان ذي كتل قوية قادرة على تحقيق الاستقرار الحكومي وسَنّ التشريعات الإصلاحية.

ولم يستبعد مراقبون لجوء جزء من نواب البرلمان للطعن أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، في دستورية القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء إن تم تمريره عبر توافق بعض الكتل البرلمانية أو حتى لجوء رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي نفسه للطعن فيه.

شاهد أيضاً

صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإسرائيل

تصاعد النقاش في الساعات الأخيرة داخل إسرائيل بشأن تحديد أولويات المرحلة المقبلة ما بين التركيز على التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى تتيح عودة المحتجزين