تدبيره سبحانه لك لا عليك

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏ «يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ»

قال ابن كثير رحمه الله :
” أَيْ يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ مِنْ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ ، إِلَى أَقْصَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَتُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى دِيوَانِهَا فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، وَمَسَافَةُ مَا بَينهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ : مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ ، وَسُمْكُ السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: النُّزُولُ مِنَ الْمَلَكِ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمائَةِ عَامٍ ، وَصُعُودُهُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ” .
انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (6 /359) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
” أي : الأمر ينزل من عنده ، ويعرج إليه ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) وهو يعرج إليه ، ويصله في لحظة ” انتهى . ” تفسير السعدي” (ص 654).

فعلى ذلك : يكون تدبير الله جل جلاله لأمره ، من السماء إلى الأرض ، ثم عروج الملائكة إليه بذلك ، كله : في يوم واحد ؛ مقدار هذا اليوم في حساب الناس : ألف سنة مما عندهم من الأيام ، وإنما يكون عروج الملائكة بذلك إلى ربها : في وقت قصير ؛ لحظة ، أو طرف عين ، أو نحو ذلك ، وهذا كله من أمر الغيب الذي لا يعلم كنهه وماهيته إلا الله تعالى .
راجع جواب السؤال رقم : (179186) ، (146979) .

وليس الأمر بحسب ما ظن السائل أن الله تعالى يرسل الملائكة إلى الأرض ، ثم يمكث ألف سنة حتى يرجعوا إليه بخبر أهل الدنيا وأعمالهم ، فالله تعالى علام الغيوب ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، وهو أمر مقطوع به ، معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، ولذلك قال تعالى في الآية التالية لهذه : ( ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) السجدة/ 6 .
والله عز وجل يعلم ما الخلق عاملوه قبل أن يخلقهم ، وقبل أن يعملوه ، ويعلمه بعدما خلقهم ، وقبل أن يعملوه أيضا ، ثم يعلمه في حين عملهم لما يعملون ، وبعد عملهم لما يعملونه ، يعلمه كذلك ، علام الغيوب .
وقد روى مسلم (4797) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ).
وروى أبو داود (4078) عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ ، قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ). وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .

أترك التدبير لله سبحانه وتعالى ‏لا تقطع الأمل المُعلق بالله. لاتحزن، لا تقلق، عش مطمئناً فالمؤمن دائماً في ظل رعاية الله، لا تخف فإنك لا تعرف كيف تدبر الأمور كما يدبرها الله، لا تخف فإن الله يرتب لك الأيام بخباياها السارة، يمهد لك الطرق لتسير بسلام، يزيل من حياتك ويضيف عليها كل الذي يناسبك و كل الخير.

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏صبـاح تدبير الله

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.