قصة و عبرة: سعادتنا بالرضا بما نملك

بقلم: محمد كمال

“شجرة البؤس” لعميد الأدب العربي طه حسين يتحدث عن فلسفة السعادة في الرضا فيقول: “لكأنَّ للبؤس شجرة تضرب بجذورها في أرواحنا، تتغذى على أيامنا، وتمتص حيويتنا وآمالنا، ثم تطرح ثمارًا من حَسَكٍ وشَوك نَلُوكُهَا مرغمين، فلا مفرَّ من قدرنا المرسوم. والرواية التي بين يديك هي حكاية فتاة ريفية بائسة لم تَرْفُق بها الحياة، فزادتها آلامًا على آلام؛ فالرجل الذي تزوجها فعل ذلك مضطرًّا إكرامًا لوصية والده الشيخ لا حبًّا وكرامة، فكيف (بالله) يقبل أحد أن يقترن بفقيرة دميمة مثلها؟! فيحيا معها على كرهٍ ومضضٍ، ويزيد من عذابها سوءُ المعاملة التي تصبُّها حماتها عليها طوال الوقت، ثم تنجب بناتٍ لَسْنَ بأحسن حالًا من أمهن، فقد وَرِثْنَ بؤسها، فلا يجدنَ الراحة إلا في ضمَّةِ قبر” طه حسين .

تدور الرواية حول زوجين كان زواجهما تقليدياً أو ما يُعرف بزواج الصالونات- ورغم دمامة الزوجة فقد كان زوجها سعيدا بها ويراها أجمل نساء الكون، حيث لم تكن له سابق معرفة بنساء غيرها، فكانت كلَّ حياته، ومرت أيام وشهور، ورُزق منها ببنت تشبه أمها في قبحها، فطار قلبه بها وتعلق بحبها، لكن لم تمهله الأيام حتى رُزق ببنت غاية في الجمال، فما لبث أن عقد مقارنة بين تلك الجميلة القادمة وبين تلك المرأتين البائستين، فتعلق قلبه بحب الصغيرة في الوقت الذي نفر من هاتين الشقيتين، وتغير ودُّه بغضاً، وانقلب حبه عذاباً وبؤساً، وناراً تحرق كل ما تجده ولو كان أخضر يانعاً أو ماءً جارياً، فما عاد يطيق من زوجته أو ابنته نظرة ولا يصبر من أي منهما على كلمة ولو كانتْ حرف تأوه وتألم، وهكذا زرع في قلبه من حيث لا يدري شجرة بؤس وعذاب، ذاق كلُّ من بيته من مرّها وعلقمها، وماتت فرحة البيت ومن فيه على الشفاة قبل أنْ تفارق مواضعها.

وخلاصة الرواية أننا نصنع سعادتنا بالرضا بما نملك، فليس في الكون جيد عاطل، كل شَيْءٍ في ملكوت الله محاط بلمسات جماله وفيه أثر من نفحات جلاله.
يالروعة الرضا بما يملك أحدنا، فقد خبأ الله سعادة خلقه في رضاهم بمدّ عطاياه.
كلنا يملك ما يجعلنا سعداء، فلا تزرعوا بذور البؤس بتوهم العوز والفقر، ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”.

اللهم ارزقنا جميل الرضا بأقدارك.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.