ينمو حتى بالمَوَات انه الإسلام!

المصدر: جريدة المشكاة عدد 150 بقلم الاستاذ محمد جابر الجمعية المحمدية الطيبة فلسطين 48

عجيب أمر هذا الدين، فإن أي نبتة تريد أن تزرعها وترجو حصادها في يوم من الايام يجب أن توفر لها الظروف والبيئة الملائمة والرعاية والجهد من أجل ان تكون تلك الثمرة مرضية لصاحبها، وإلا كانت النتيجة الخيبة والخذلان، فكيف إذا نبتت تلك النبتة في بيئة معادية لها تبغي استئصالها، أو حتى ترفض السماح بغرسها أصلا. هذا من غير الحديث عن أن الارض ذاتها قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت زرعا، آيس المزارعون منها واستغنت عنها الهوام والدواب التي لا تجد فيها كلأً تسكت به جوعها او ماء يطفئ ظمأ ذي كبد. وهذه من القواعد التي يكاد لا يختلف فيها اثنان عاقلان إلا فيما يتعلق بهذا الدين العظيم.
فهذا الدين متين على اخصاب كل شيء حتى القيعان واحياء الموات، وليس غريبا أن ترى فجأة واحة غناء في وسط صحراء مقحلة فأحيى الله بها ارضا ميتا، وهذه الحقيقة يعرفها كل متتبع لتاريخ هذا الدين العظيم تصل بمعظمهم الى القناعة انها معركة محتومة النتائج.
فالإسلام نور الله والله متم نوره ولو تامر من تامر وتكالب من تكالب وخطط ودبر وقدر وفكر، فسيعود مكرهم في محصلة الأمور في نحورهم، والغريب أن لغة أبناء المشروع الإسلامي أحيانا يبدو منها الغفلة أو تجاهل هذه الحقيقة المطلقة . حيث يبدو من بعضهم وكأن الإسلام ذاته في خطر والدين مهدد بالزوال والافول، لتداعي الأمم وبعض من يحسبون على الإسلام على أبناء المشروع الإسلامي كتداعي الاكلة على قصعتها، مع أن خطاب القران قطعي الدلالة.
وعظمة هذه الدين تتجلى بالمفاجأة التي يعدها الله لأعداء الإسلام الذين يظنون أنهم اخترقوا حصوننا وشتتوا جمعنا واستولوا على مقدراتنا وبات قسم ممن يعدون من هذه الامة يشكلون طابورا خامسا لهم، وخنجرا مسموما يطعن كل صوت حر يدعو الى إقامة شرع الله ونصرة دينه…. وقسم اخر وصل به الإحباط واليأس إلى درجة بدأ يرى أن الخلل ليس سلوكيا تطبيقيا وإنما بيولوجيا وراثيا، ويتحدث أن طبيعة هذه الأمة التأخر والتخلف…. بل وجعل الأمر قدرا وحتمية تاريخية يجب التسليم بها ولها… ولكن الحتمية الوحيدة هي وعد الله أنه متم نوره.
لقد تقدم فرعون الى الامام ظنا منه ان خير وسيلة للدفاع الهجوم، وقرر ان يذبح أبناء بني إسرائيل ليمنع القدر الحتمي الذي راه في المنام ينهي ملكه، ولكن المشروع الإسلامي الرباني نما في بيته وبحضنه وبرعايته وتحت سمعه وبصره ……
وتربى إبراهيم عليه السلام في اخر مكان ممكن ان يتوقعه الناس ان يكون منبتا لعقيدة التوحيد والحنيفية ومحاربة الشرك والكفر وعبادة الاصنام، في بيت ازر الذي كانت مهنته صناعة الاصنام يعيش منها ويروج لها…
وعندما ارتدت القبائل العربية عن الإسلام وحاصرت المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام، وقرر ابو بكر الصديق رضي الله عنه وارضاه مواجهة المرتدين ورد كيدهم أوكل قيادة جيوشه إلى مجموعة من القيادات أولها: خالد بن الوليد، ابن الوليد بن المغيرة زعيم القريتين مكة والطائف الذي قال عنه القران “عُتُل زنيم” لرفضه الإسلام وادعاء قومه أنه أحق بالنبوة والزعامة من رسول الله، فمن ظهر هذا الرجل الذي حارب الإسلام خرج من دافع ونصر ونشر الإسلام حتى لم يبقى في جسده موضع إلا وفيه اصابة في سبيل هذا الدين. أما القائد الثاني فهو عكرمة ابن ابي جهل القائد الفذ، نعم ابن عمرو بن هشام الشهير بابي جهل الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فرعون امتي… فمن بيته خرج عكرمة كاسر المرتدين وميمنة خالد يوم اليرموك الذي قاتل حتى فدى الدين وقضى شهيدا. أما القائد الثالث فكان خالد بن سعيد بن العاص، وابوه سعيد بن العاص احد صناديد مكة وزعمائها الذي قال حين مرض (لئن قمت من مرضي هذا لن يعبد اله محمد)، فأماته الله لساعتها واخرج الله من صلبه خالد بن سعيد الذي منع ردة قسم كبير من المرتدين وأعادهم الى حظيرة الاسلام، وأما القائد الرابع الذي استعان به ابو بكر للقضاء على الردة فكان عمرو بن العاص، ابن العاص بن وائل احد اكبر المستهزئين بالدين، حتى اخزاه الله فكان ابنه عمرو من أعاد أهل شمال الجزيرة عن الردة ثم استمر بعدها الى سوريا ففلسطين فمصر والسودان، ودخل أهل هذه البلاد بسوادهم الاعظم الإسلام على يديه.
إن الاسلام هو روح الحياة وسبب وجودها، ولا ينزع الاسلام الا بانتهاء الوجود على الارض، فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، أما الذين يمكرون على الاسلام وأهله ويظنون أنهم أحكموا القبضة وشدوا العقال، فنصيحتي اليهم ألّا يطمئنوا كثيرا، فوالذي رفع السموات والارض، إن موسى وإبراهيم وخالد وعكرمة وسعيد وعمرو…. يترعرعون في احضانهم ويأكلون من رزقهم حتى إذا جاء وعد الله حمل موسى عصاه ليغرقهم في بحار ظلمهم، وحمل ابراهيم معوله وحطم جميع أصنامهم وطواغيتهم وسفه أحلامهم، وحمل خالد وعمرو وسعيد وعكرمة…. سيوفهم تدافع عن الدين وتدفعه حتى لا يبقى بيت وبر ولا حجر إلا ويدخله بعز عزيز وذل ذليل.
إن الذي يجب أن نخاف عليه ليس الإسلام، لأن الإسلام دين الله والله حافظ دينه ومعزه، وإنما أنفسنا التي خلق الله لها الجنة والنار، فمن حفظها وراعى حق الله فيها وكان ممن اصطفاه الله ليكون سببا لنصرة الدين فقد فاز فوزا كبيرا، ومن ضيعها وأضاع حق الله وكان من المخذلين…. اخزاه الله وكان من الخاسرين ….ولن ينفعه وقتها انتصار الاسلام والمسلمين.
*المَوَاتُ : مالا حياةَ فيه

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.