ورجُلٌ تصدّق بصدقةٍ فأخفاها!

بقلم : أدهم شرقاوي

حدَّثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرةً أصحابه عن سبعةٍ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظله، وكان ممن ذكرهم رجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمُ شماله ما تُنفِقُ يمينه!

كان زين العابدين عليُّ بن الحُسين يحملُ الصَّدقات والطعام ليلاً على ظهره، ويوصلها إلى بيوت الأرامل والفقراء في المدينة، ولا يعلمون من وضعها، وكان يتولى هذا الأمر بنفسه فلا يستعين بخادم ولا صديق، حتى لا يدري بهذا الأمر أحد! وبقيَ كذلك سنواتٍ طويلةً، وما كان الفقراء والأرامل يعلمون من يضع لهم هذا الطعام على أبواب بيوتهم، فلما ماتَ رضيَ الله عنه وجدوا على ظهره أثر حمل الأكياس، وبموته لم يعد الأرامل والمساكين يجدون الذي كانوا يجدونه عند أبوابهم، فعلموا أنه صاحب الصَّدقات!

الصَّدقة في السِّر أعلى أجراً لأسباب كثيرة منها:
– لأنَّ المرءَ يزهدُ في معرفة الناس بما يصنع، ويرضى أن يعرفه ربه فقط، وبهذا يتخلص من الرياء، ويا لعظمة صدقة أُريد بها وجه الله تعالى فقط!
– لأنَّ فيها ترميماً لكرامة الفقراء، فالحاجة تكسر النفس، والبعض يتأذى إذا ما أُعطيَ على الملأ، فكرامته عنده أهم من حاجته، ومن هنا كانت صدقة السر أجوراً كثيرة، الصدقة وجبر الخاطر وترميم الكرامة!

كان الأوائل يخفون حسناتهم كما يُخفون سيئاتهم، فلا يُحِبُّ أحدهم أن يعرف الناس عبادته!
ترجم الإمام الذهبي لداود بن أبي هند، فذكرَ أنه صامَ أربعين سنةً لا يعلمُ به أهله، كان يخرجُ إلى دكانه في السوق معه زاده الذي تعده له زوجته وهي تحسبه مفطر، فيتصدَّقُ به في الطريق، فإذا كان المساء عاد وأفطرَ مع عائلته وهم يحسبون أنه يتعشّى!

وروى ابن الجوزيِّ عن الحسن البصري أنه قال: كنتُ مع عبد الله بن المبارك فأتينا على سِقاية والناس يشربون منها، قد دنا ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه، فلما عاد قال لي: ما العيشُ إلا هكذا أن لا نُعرف ولا نُوقَّر!
كل عبادة تستطيع أن تؤديها بالسِّر فإياك أن تؤديها في العلن، وكل صدقةٍ تستطيع إخفاءها فإياك أن تُظهرها، لا شيء يفسِدْ العمل كالرياء، وكل عمل لم يطلع عليه الناس فقد سَلِم بإذن الله من الرياء، وما سَلِمَ من الرياء فقد قُبلَ، وما قُبلَ فقد بلغَ بكَ الآفاق!

أدهم شرقاوي

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.