نحن أمة الجسد الواحد الجزء الثاني

بقلم الاستاذ الشيخ سفيان ابو زيد

على هامش الملتقى العلمي الأول للشباب. إسطنبول. هيئة علماء فلسطين بالخارج

مما شهدناه في ملتقانا الحبيب، واكتشفناه من خلال استماع بعضنا لبعض أن آلام أمتنا وإشكالاتها واختلالاتها تكاد تكون واحدة أو على الأقل متشابهة تختلف مظاهرها ودرجات تركيزها من مكان إلى آخر حسب اعتبارات عدة..

ومن أهم تلك الاشكالات والاختلالات ثلاثية مهمة هي على النحو الآتي:

1- الاستبداد: صمام كل فساد وضمان كل تخلف، وسبب كل اضطراب أو اختلال، ذلك المرض العضال الذي أصاب عقولنا وكياناتنا، وسلوكاتنا فظهر بصورته البشعة في ساستنا وبعض قياداتنا حتى على مستوى بعض الحركات الإسلامية، فالمستبد عدو مسؤوليته، وخصم التطور والتقدم إلى الأمام، بل همه الوحيد ألا يتقدم أحد على قراره وكلمته، لا يقال له لا، ولا يوجه له نقد ولا تساؤل، هو في السياسة وفوقها، والقانون له لا عليه، هو الوطن والدولة والحركة والمصلحة والازدهار، وبدونه الخراب والتخلف والمفسدة والدمار.
وما دامت مجتمعاتنا مراتع للاستبداد ومصانع له، فلا قائمة لنا ولا أمل في تقدمنا وصعودنا إلى مصاف الدول التي تحترم نفسها ودورها…
وأول فرخ من فراخ الاستبداد “الفساد”

2- الفساد: لأن المستبد لا يحميه ولا يحوطه إلا أوكار وأسوار الفساد والإفساد، ولا يعيش وينتعش إلا في مستنقعاته، هذا الاختلال الذي ينخر كياناتنا السياسية والاجتماعية والأخلاقية والفكرية والدينية والمالية، فتتسع دائرته ويتعمق تأثيره حتى غدا منظومة متكاملة، تنادي بحقها في الوجود، بل تؤثر في القرارات والتشريعات بما يوافق مصالحها الخاصة، وبما يساهم في توسيع دائرتها…
والنبي صلى الله عليه وسلم يقوا: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
ومقتضى الرعاية الحفاظ على المصالح وتطويرها وتقليل المفاسد وإعدامها، وعلى هذا الأساس تكون المسؤولية، وذلك المقتضى تظهر آثاره وتبرز من خلال مسار تلك الرعية وسلوكها وتصرفاتها، وتختلف أهمية تلك الرعاية باختلاف حجمها فتبدأ من رعاية النفس إلى رعاية الأسرة إلى رعاية الدولة إلى رعاية البشرية، وكلما ارتقى شرف تلك الرعاية إلا زاد منسوب المسؤولية…
فإذا كان مسار تلك الرعاية سويا شرعيا للمقاصد مراعيا، علا شأن الصلاح وذاع صيته، وتراءت أناقته ورقيه، وصار محل اقتداء وجذب، وكلما كانت تلك الرعاية مختلة مستبدة مقدمة لكل مصلحة شخصية ذاتية، خبا علم الصلاح، وخفت صوته، وشوهت صورته واختلت مفاهيمه وموازينه، وارتفعت هامة الفساد وارتقى مكانه وجملت صورته، وحرست بؤره ومصانعه..

فإذا طغى منسوب الفساد وامتزجت خلاياه وسمومه مع الكيان الفردي أو السياسي أو الاجتماعي، ظهرت بذور الاستعباد.

3- الاستعباد: الفساد اختلال وانحراف عن الصلاح والحق والعدل، لأجل مصالح خاصة ذاتية أو درء مفاسد خاصة ذاتية، دون النظر إلى المقصد أو المآل أو الصالح العام.
هذه الظاهرة وهذا المرض لا يفرخ ولا يعيش إلى في أجواء وبيئات خاصة ونفوس لها قابلية ذلك.
وحتى تتأهل تلك النفوس لتلك القابلية، لابد من إعدادها وفق معايير إفسادية، ترى الفساد صلاحا والصلاح فسادا، والمنكر معروفا والمعروف منكرا، همها إشباع شهواتها وملذاتها، تستعبدها بالدينار والدرهم والقطيفة… ترى المصلحة الخاصة فوق كل مصلحة، لا تكترث لإنسانية أو لوطنية أو لدين أو تاريخ أو آصرة…
هذه النفوس التي تخلت عن كل معاني الفطرة والقيم والثوابت الدينية، يمكن أن تتشكل على شكل شخصيات سياسية أو اقتصادية أو اعلامية أو دينية أو شعبية..
وأي روح أو نبض للعزة أو الكرامة أو الدين أو الخلق أو الفطرة ينبغي أن يقتل في تلك النفوس ليبقى للفساد سؤدده أو سلطته ونشوته…

إذن فالاستبداد يشكل لنا بيئة فساد تساهم في تنشئة نفوس قابلة للاستعباد

والعدل يشكل لنا بيئة صلاح تساهم في تنشئة نفوس حرة موحدة أبية.

كنت سأستأنف مفهوما آخر إلا أنه ظهر لي في مفهوم #نحنأمةالجسد_الواحد بقية فدونتها في هذا المقال إلى مفهوم آخر بإذن الله تعالى
والحمد لله رب العالمين

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.