ميديابارت: عندما تتحول المطارات إلى وكر للجواسيس

أجرى موقع ميديابارت الفرنسي تحقيقا مطولا للكشف عن الحرب السرية التي قال إنها تحدث في صالات المغادرة، حين يقوم أقرب حلفاء فرنسا في الحرب ضد الإرهاب، كالولايات المتحدة وإسرائيل -تحت ستار التعاون من أجل منع الهجمات- باستغلال بعض الإجراءات الأمنية في المطارات لأغراض التجسس الصناعي.

واستعرض الموقع قصة سكرتيرة في وزارة التعليم الفرنسية استجوبها الأمن الإسرائيلي في مطار شارل ديغول بباريس وتابعها ثم تم تعطيل هاتفها عن العمل خلال عطلتها في إسرائيل، وقد تبين لاحقا أنها تعمل في إدارة منعت باحثين إسرائيليين من الولوج إلى مختبرات فرنسية سرية.

ويقول الموقع إن الإدارة العلامة للأمن الداخلي نبهت السلطات مرات عدة بين ديسمبر/كانون الأول 2018 وأبريل/نيسان 2019، إلى الخطورة التي تمثلها “الإجراءات الأمنية الجوية للحلفاء”، وذلك في وثائق توضح أن بعض الدول تستغل الإجراءات لأغراض التجسس الصناعي في المطارات الفرنسية.

ويرصد الموقع -في مقال مطول- بعض ما حصل عليه من قصص تتعلق بهذه الحرب السرية بين الحلفاء، بعد شهرين من التحقيق والمقابلات مع شخصيات من القطاعين العام والخاص، تأكد خلالها أن حلفاء فرنسا، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل -وبحجة التعاون الأمني- يعيقون تنقل المسافرين ويسرقون معلوماتهم عند التحقيق الأمني أو الجمركي في المطارات.

تفتيش خارج الحدود
ونبه الموقع إلى أن التهديد الذي تشكله الخلايا الجهادية على النقل الجوي ليس مجرد وهم، كما تشهد على ذلك هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وحوادث أخرى، وإلى أن “درجة عالية من التقنية أصبحت قادرة على تصميم متفجرات مبتكرة، غير معدنية وغير قابلة للكشف خلال عمليات التفتيش الأمنية في المطارات”.

ولمواجهة هذا التهديد، تبنت الولايات المتحدة عقيدة الدولة العبرية التي فرضت -ردا على عمليات اختطاف الطائرات في سبعينيات القرن الماضي- ضوابط أولية في جميع المطارات التي ترغب في إقامة روابط مع إسرائيل، وبموجب ذلك نقل الأميركيون والإسرائيليون السيطرة على الحدود إلى نقطة الانطلاق بدل نقطة الوصول على أراضيهم.

وبالنسبة لمطار كشارل ديغول يعبر منه نحو 70 مليون مسافر سنويا إلى 330 وجهة، فإنه من المغري بالنسبة للأجهزة الأمنية والمخابرات الاطلاع على ما يحملونه في حقائبهم وأجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية والهواتف التي تحتوي على العديد من أسرار شركاتهم وإداراتهم، خاصة أن هاجس التأخر عن الطائرة يشكل أرضا خصبة لممارسة الضغط على هؤلاء.

وقال الموقع إن جمع المعلومات يبدأ حتى قبل الخطوات الأولى في المطار، إذ توفر الولايات المتحدة وكندا وأستراليا تسهيلات دخول في مقابل توفير معلومات شخصية ومهنية دقيقة بشكل خاص، كما أن برنامج إدارة أمن النقل يشجع المسافرين “الموثوق بهم” (أي من قدموا إجابة دقيقة على جميع الأسئلة) بإعفائهم من إزالة الأحزمة والأحذية والسترات وتقديم الأجهزة المحمولة للفحص عند الجمارك الأميركية.
تشغيل الفيديو

معلومات مجانية
كما توفر إجراءات تسجيل الوصول لدى شركة الطيران فرصة ذهبية لخدمات المخابرات لتكملة معلوماتهم، إذ يشرح مؤلف كتاب “الحروب السرية للموساد” يفونيك دونويل، كيف اخترقت أجهزة المخابرات نظام الحاسوب الخاص بشركة الخطوط الجوية الفرنسية للعثور على عنوان عميل كان جواسيس إسرائيل يبحثون عنه.

وعرض الموقع قصة الباحثة المتخصصة في الهيدروجين ورئيسة قسم في مفوضية الطاقة الذرية التي قدمت نفسها في سبتمبر/أيلول 2017 في مطار شارل ديغول، ومن ثم اقتادها أحد عملاء الأمن الإسرائيلي وجرى استجوابها لمدة ساعة ونصف، مع التدقيق في حياتها الخاصة والمهنية، كما فتش الأمن حقيبة يدها ومحتويات حاسوبها الخاص بها الذي لا يحتوي على الكثير لأنه كان لغرض السفر.

هذه الباحثة التي سافرت إلى إسرائيل “بناء على طلب شريك صناعي” لتقييم المستوى التكنولوجي لشركة ناشئة، أعطت مفتاح يو أس بي الخاص بها لموظف لنقل معلومات إليه، وبمجرد أن عادت إلى بلدها ووضعته في حاسوب العمل ظهرت رسالة بوجود “حصان طروادة” على الحاسوب.

وفي حادثة أخرى استعرضها الموقع، تأخر المدير العام لشركة في جنوب فرنسا مختصة بالتنقيب في مجال الصحة والطاقة النووية في طريق العودة من مؤتمر حول علم الأورام الإشعاعية عقد في سان أنطونيو في تكساس، وذلك عندما أنزله ثلاثة من ضباط الجمارك من طائرته في مطار أتلانتا الدولي واستجوبوه لأكثر من ساعتين وفتشوا هاتفه وحاسوبه.

واكتشف المدير عند عودته إلى فرنسا أنه تم نسخ القرص الصلب لحاسوبه الذي يضم مختلف برامج الشركة.

ونبه الموقع إلى أن من يعملون في وكالة أيرباص خاصة، يتعرضون للعديد من العقبات وعمليات التفتيش عندما يطؤون أرضا أميركية، وضرب مثالا باحتجاز توماس إندرز، الذي كان لا يزال الرئيس التنفيذي لشركة الطيران الرائدة في أوروبا في يناير/كانون الثاني 2019 لمدة ساعتين من قبل الجمارك في مطار واشنطن.

إعادة الأجهزة في كرتون
وفي حادثة وقعت في يونيو/حزيران 2014، ورأى الموقع أنها مستغربة حيث صادر مسؤولو الجمارك في مطار تل أبيب جميع المعدات الإلكترونية من مسؤول شركة فرنسية وأجبروه على وضع معداته في صندوقين لشحنهما إليه لاحقا في فرنسا.

وكان هذا المسؤول من شركة تدعى “كوسموس” (Qosmos) للبرمجيات، وهي متخصصة في تكنولوجيا المراقبة الجماعية، ويصنف جزء من أنشطتها على أنها سرية لأنها تعمل مع أجهزة المخابرات الفرنسية.

وفي سبتمبر/أيلول 2017، كان المدير العام لشركة فرنسية متخصصة في المجال الطبي عائدا من الولايات المتحدة بعد فترة قضاها هناك مع زملائه، وفي صالة المغادرة طلب منه أحد ضباط أمن المطار أن يرافقه للاشتباه في احتواء حاسوبه المحمول على مواد المتفجرة.

وبعد التفتيش أجبر المدير على تشغيل حاسوبه ثم تسليم كلمات المرور، ليقوم العميل بعد ذلك بنقل الحاسوب إلى غرفة مجاورة قبل أن يعاد إليه بعد ساعة، وصعد المدير العام إلى الطائرة قبيل مغادرتها بقليل.

عاد المدير إلى باريس بعد أن تم نسخ القرص الصلب لحاسوبه الذي يحمل جميع بيانات الشركة الإستراتيجية، بما في ذلك ملف العملاء الذي يضم العقود التجارية وأربعة آلاف رسالة بريد وخطة تمويل 2025، وما إلى ذلك.

مسافرون في طوابير بمطار شارل ديغول (الأوروبية)
مسافرون في طوابير بمطار شارل ديغول (الأوروبية)

ويتذكر المدير أن مضيفة -أثناء تسجيل أمتعته- أعطته بطاقة صعود إلى الطائرة عليها خط أصفر، وتختلف عن بطاقات زملائه، وهو يرى ولكن بعد فوات الأوان، واتضح أن “تلك العلامة وضعت عمدا لإلقاء القبض عليه تحت ذريعة مضللة”، ربما لأن السلطات استهدفته لالتقاط المعلومات التقنية والتجارية عن هذه الشركة الفرنسية، كما تقول الإدارة العامة للأمن الداخلي.

منع من السفر
وأشار الموقع إلى أن التدخل الاقتصادي الذي يتورط فيه بعض أقرب حلفاء فرنسا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، يجري تنفيذه أيضا في مجال إصدار وثائق السفر، لإعاقة حرية حركة رجال الأعمال الذين ينافسون جواهر الصناعة في منطقة تتسيد فيها الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، كانت شركة أوروبية في صناعة الأسلحة مستهدفة بشكل خاص، إذ نظمت رحلة سياحية إلى غواتيمالا، كان من المفترض أن يتوقف الموظفون فيها في الولايات المتحدة، إلا أن مسؤولا أمنيا في مطار رواسي بباريس، ألغى تأشيرة دخول مسؤول تنفيذي كبير، لسبب كاذب وهو أن جهازه أبلغ عن فقدانه.

وقبل ثلاث سنوات، ألغى ضابط الهجرة الأميركي تأشيرة مسؤول تنفيذي آخر في شركة فرنسية، بحجة أنه أقام في العراق، حيث كان عليه أن يذهب في إطار نشاطه المهني، وقد تم احتجازه لساعات قبل أن يسمح له بالخروج.

نصائح للمسافرين
وكانت الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي قد صاغت في أبريل/نيسان 2018 مذكرة سرية بعنوان “بانوراما التدخل الاقتصادي الأميركي في فرنسا”، كشفت عنها صحيفة لو فيغارو، وفي هذه المذكرة شجبت المناورات “التي قامت بها كل من الكيانات العامة والخاصة”، والتي هدفت إلى نهب زبدة ما تنتجه القطاعات الإستراتيجية.

وفي مواجهة التدخل المتكرر من قبل الحلفاء، تضاعف الوكالة الوطنية لأمن نظم المعلومات و الإدارة العامة للأمن الداخلي جلسات التوعية للجهات الاقتصادية الفاعلة العامة والخاصة.

ويوصي الجهازان باستخدام المعدات المخصصة للبعثات التي لا تحتوي على معلومات أخرى غير تلك اللازمة لهذه المناسبة، بتشفير البيانات واستخدام السحابة الآمنة.

ومن هذه التوصيات أنه “من الضروري في المطارات تجنب جذب الانتباه، والسفر مع الحد الأدنى من الأجهزة الإلكترونية”، ويطبق الجواسيس أنفسهم هذه التوصيات، حيث يسافر وكلاء الإدارة العامة للأمن الخارجي بهاتف موتورولا القديم الكافي لإرسال الرسائل النصية والذي لا يتصل بالإنترنت.

وبمجرد العودة من السفر، لا بد من تحليل الأجهزة الإلكترونية قبل توصيلها بالشبكات الداخلية للشركة، لئلا يدخل فيروس أو برامج تجسس دون علم المستخدم.

وفي الختام، يرى الفيلسوف والباحث أوليفييه شوبان أن كثيرا من الدول نشرت مجساتها باسم التهديد الإرهابي على الحدود الجديدة، وهي المطارات، وأن التهديد الذي يمر عبر هذه القنوات قد تضاءل، ويجب أن تسفر بنية المراقبة الكاملة الموضوعة عن نتائج، لذلك تعود هذه الدول إلى منطق الدفاع عن المصالح، ألا وهو التجسس الاقتصادي.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.