من هم قتلة محمد مرسي الحقيقيون؟ (مقال رأي)

-مقال كتبه البروفيسور الدكتور كمال إنات، عضو الكادر التدريسي في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية في جامعة صقاريا التركية

-مقال كتبه البروفيسور الدكتور كمال إنات، عضو الكادر التدريسي في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية في جامعة صقاريا التركية، قال فيه:

*المشتبه بهم الذين نجدهم أمامنا بينما نحاول التعرف على قتلة مرسي، هم نفس البلدان التي حرضت على انقلاب عام 2013
*المحرضون على قتل مرسي وشهداء رابعة، هم الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل والسعودية وعدد من الدول الغربية الأخرى

يتساءل المرء ما إذا كان قتلة الشهيد محمد مرسي، الرئيس المصري الأسبق، هم فقط أولئك الذين راقبوه، دون تدخل، وهو يناضل من أجل التنفس لمدة 20 دقيقة بعد تعرضه لأزمة قلبية في القفص المشؤوم لتلك المحكمة الشريرة.

أو ربما يكون الجناة الحقيقيون هم محركي العرائس الذين يتحكمون بخيوط أولئك القتلة.. ماذا عن ملايين أعضاء حركة “تمرد” (حشدت لمظاهرات ضد مرسي)، الذين ملأوا ميدان التحرير عام 2013، دعماً لمخطط الإطاحة بالرئيس مرسي عبر الانقلاب؟.

** هل هم سعداء الآن؟

توفي الرئيس المنتخب للشعب المصري، في قفص الإثنين الماضي، بعد ست سنوات من الأسر والتعذيب.. فهل سيكون بمقدور هؤلاء الآن أن يدركوا أن الذي خسروه في ذلك القفص، هو ليس حياة الشهيد مرسي فحسب، بل أيضاً فرصة مصر لاستعادة حريتها وأن تكون من أكثر الدول استقراراً في الشرق الأوسط؟.

هل ما زالوا لا يدركون، بعد مرور ستة أعوام، أن ما قدمه لهم السيسي ليس سوى عبودية؟.
بالتأكيد، لو كانوا قد قدّروا هذه الحقيقة، لكانوا عارضوا العزلة والاضطهاد اللذين عاناهما الرئيس مرسي.. ناهيك عن عدم معارضتهم لذلك، فقد كانوا، عن علم أو بغير علم، متواطئين في مؤامرات أولئك الذين سعوا لإسقاطه، ولهذا السبب حرمهم الله من فرصة إنقاذ أنفسهم من الأسر والاضطهاد.

إن جرائمهم أعمت عيونهم عن الاعتراف بحالة الحرمان التي يعيشونها، ما يؤكد أن العبودية، الذي فرضها عليهم السيسي، “المسؤول عن الانقلاب”، ستستمر لفترة طويلة.

إذا أراد أنصار “تمرد” أن يتخلصوا من كارثة العبودية التي خيمت على مصر بأكملها، فيجب عليهم أولاً أن يسألوا الشهيد مرسي وكل شهداء ميدان رابعة العدوية (أنصار مرسي الذين سقطو خلال فض اعتصام بالقاهرة أغسطس 2013) عن السبيل لذلك.

** من هم المحرضون؟

إن المشتبه بهم الذين نجدهم أمامنا بينما نحاول التعرف على قتلة الشهيد الرئيس مرسي، هم نفس البلدان التي حرضت على انقلاب عام 2013، وبكلمات أخرى، يعلم الجميع أن السيسي والجيش المصري هما الجناة الظاهرين أمام الستار.. لا شك أن المحرضين على قتل مرسي وشهداء ساحة رابعة، هم الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل والسعودية وعدد من الدول الغربية الأخرى.

ولا يوجد أي شك في أن ما يريده هؤلاء المحرضون هو منع مصر من أن يحكمها قادة ينتخبهم شعبها؛ بمعنى آخر، ما يريدونه في النهاية هو التأكد من أن مصر لن تصبح أبدًا بلدًا حرًا لأنها بلد مهم للغاية.

مصر هي أكبر دولة في العالم العربي، ومن أهم الدول في العالم الإسلامي، وتقع بجوار إسرائيل “الثمينة”، فمن الواضح أن العدوان الإسرائيلي سيواجه عواقب هذه الميزات جميعها في حال استلام الإخوان المسلمين السلطة في مصر.

كيف سيكون رد فعل مصر التي يقودها مرسي؟، يتساءل المرء عن ذلك عندما تم تسليم القدس ومرتفعات الجولان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على طبق من فضة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟.

أما بالنسبة إلى “مسؤول الانقلاب” السيسي، فقد قام فقط بأداء الواجب الذي كُلف به وأدار أذن صماء للسياسات الأمريكية غير القانونية، وهو يدعم الآن ما يسمى “صفقة القرن”، التي تسعى لطرد الفلسطينيين من معظم الضفة الغربية.

هناك خدمة أخرى قدمتها لإسرائيل الدولتان العربيتان الأخريان، الإمارات العربية المتحدة والسعودية، اللتان تدعمان أيضًا “صفقة القرن”، وهما أيضا من تحملا العبء المالي للانقلاب ضد مرسي.. لقد قاموا برفد السيسي بالأموال حتى يتمكن من الاستمرار في هذا المسار دون عوائق، بهدف إعادة بناء نظام الديكتاتورية في مصر.

لم يكونوا يريدون لحركة الإخوان المسلمين أن تحرر مصر وشعبها لأن انتشار الحرية في العالم العربي يمكن أن يكون مثالًا خطيرًا لشعوبهم .. وكان هذا آخر ما يمكن أن يريدوه. إنهم لا يريدون أن يكون الشعب المصري حراً، وأن تصبح مصر حرة.

وهم على يقين أن مصر الحرة لن تقف إلى جانب التحالف الذي تحاول مصر اليوم أن توطده مع الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط.

بل إنها ستعارض ذلك قطعاً.. إن التحالف الذي تحاول مصر اليوم تأسيسه مع واشنطن وتل أبيب سيعمل ضد مصالح شعوب الشرق الأوسط، وبالتالي فإن مصر الحرة التي يحكمها المصريون الأحرار لن تصبح بالتأكيد جزءًا من هيكل شرير كهذا.

للأسباب المذكورة أعلاه، دفعت إدارتا الرياض وأبو ظبي الانقلاب على الرئيس مرسي ودعمت السيسي، أثناء الانقلاب وبعده، واستمر هذا الدعم حتى وفاة محمد مرسي بالقفص في قاعة المحكمة.

ويتم تقييم مدى الدعم الذي قدمه هذان البلدان للانقلاب، الذي يقوده السيسي في ضوء سياساتهما العدائية تجاه قطر وتركيا، باعتبارهما دولتان تنتقدان الانقلاب.

** دور الولايات المتحدة وأوروبا

يبرز بعدان آخران لهذه القضية فيما يتعلق بالولايات المتحدة وأوروبا، وهما المحرضان الآخران على مقتل الرئيس مرسي:

– كيف ينبغي تقييم السياسات التي اتبعوها أثناء الانقلاب وبعده من حيث مصالحهم؟.

– ماذا تعني هذه السياسات من منظور الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، والقيم التي تثيرها هذه البلدان باستمرار؟

من الواضح أن مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه مصر تتشكل من خلال سياسات القوة.. يجب ألا ننسى أبدًا أن قيمًا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي كانت واشنطن ودول أوروبا الغربية تستخدمها في كثير من الأحيان للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، قد تم تجاهلها تمامًا عندما تم الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب.

عندما كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان وكذلك جميع التعاليم والمبادئ المتعلقة بسيادة القانون والقانون الدولي تُداس في الفترة التي أدت إلى الانقلاب وفي أعقابه، أيدت واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية الانقلاب علنًا من خلال تصريحاتهم المشجعة أو التزامهم بالصمت، ما يعني موافقتهم الضمنية على جميع الانتهاكات المرتكبة.

إن موقف الدول الغربية الموجه نحو سياسة القوى ليس مفاجئًا بالنسبة لأولئك المطلعين على السياسات العامة لهذه الدول، حيث أنهم كلما اضطروا إلى الاختيار بين مصالحهم والقيم التي ينادوا بها مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، يقع اختيارهم على المصالح التي تعكس رؤيتهم قصيرة المدى.

وبالتالي، فإن تلك الدول تفضل “المصالح قصيرة الأمد”، ولديها “إدراك إشكالي للمصالح”، والسبب في أني استخدم هذه العبارات، هو توضيح حقيقة أنه لو كانت هذه الدول الغربية قادرة على تحديد مصالحها بدقة، وبطريقة بعيدة النظر، لكانوا قد رأوا أن السياسة التي يتبعونها في مصر ستأتي بنتائج عكسية ضدهم، وذلك على المدى المتوسط والطويل.

من الواضح أن هذه الدول قصيرة النظر بحيث أنها لم تتمكن من التنبؤ بنتائج هذه الصدمة على معظم أفراد المجتمع المصري (وذلك في بلد شرق أوسطي يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة)+، لاسيما بعد ما تُرك رئيس منتخب يموت ببساطة في قفص بقاعة المحكمة بعد عزله في زنزانة لسنوات، تم خلالها تجاهل مشاكله الصحية بالكامل.

تزداد شكواهم من التطرف والإرهاب يوماً بعد يوم، رغم أنهم أنفسهم هم الذين يدفعون بالأشخاص المسالمين لاتباع السبل الخاطئة، وهذا كله بالنتيجة، ليس سوا علامة من علامات ضيق الأفق.

في الحقيقة، إما أن تلك الدول ضيقة الأفق بحيث لا تدرك أنها تشجع وتغذي المنظمات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة” من خلال قمع حركة إسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تتجنب العنف دائمًا، أو أنها خبيثة لدرجة كبيرة تجعل من تلك النتيجة هدفاً لها.

في هذه المرحلة، من الضروري أيضًا التأكيد على حقيقة أخرى: هناك شرائح من المجتمعات الغربية غير مرتاحة لسياسات إداراتها الناشئة عن التصورات المرضية لمصر والدول المماثلة لها، كونها تتجاهل تمامًا القيم الأساسية مثل القانون الدولي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.

ومع ذلك، ولسوء الحظ، تتضاءل قدرة هذه الشرائح ذات العقلية الصحيحة على إسماع صوتها يوماً بعد يوم، وأولئك الذين اعتمدوا السياسة المشوهة كدليل لهم أصبحوا أكثر غلبة.
———————
– الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.