من الربيع العربي إلى التطبيع العربي

المصدر صفحة أ.د أحمد الريسون

عشر سنين مضت على الربيع العربي، الذي انبجس في نهاية 2010، وأضاء وأزهر في ربيع 2011.. وقد استقبلته الشعوب العربية وغير العربية باستبشار وتفاؤل كبيرين، وتجاوبت معه في حراك شعبي سلميٍّ غير مسبوق في التاريخ العربي.
كان المؤمل آنذاك هو أن يكون ذلك الحراك السلمي فرصة للإصلاح والتصالح، ومنطلقا للانعتاق والانطلاق، خاصة وأن أكثر الحكام والمسؤولين العرب كانوا يسلمون ويصرحون بمشروعيته ومشروعية مطالبه وتطلعاته.. وبعضهم قدموا وعودا متجاوبة، وبعضهم شرعوا في ذلك فعلا.. وأما من تعنتوا وتصلبوا فقد ذهبوا..
لكنّ أرباب الفساد والاستبداد، وحماة التخلف والانحطاط، هبُّوا بكل ما يختزنونه من أحقاد، وكل ما يكتنزونه من أموال؛ فدبروا ما استطاعوه من فتن ومؤامرات، واشتروا ما تيسر لهم من زعامات وانقلابات، {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِين}.
وهكذا أشعلوا الحرائق وأضرموا النيران في عدد من الأقطار العربية، وانطلقت حروبهم الشاملة ضد الشعوب والأصوات الساعية إلى الإصلاح والمصالحة، والحرية والكرامة..
فكان من ذلك ما عشناه ونعيشه منذ عشر سنين.. لا أقول: عشر سنين من عمر الربيع العربي، ولكنها: عشرُ سنين من الحروب على الربيع العربي..
لقد شهدت هذه العشرية السوداء، انتكاسات متلاحقة، ليس فقط للشعوب ومطالبها وتطلعاتها المشروعة، بل حتى للأنظمة العربية نفسها، بمختلف أحوالها ومواقفها..
ويُذكر من ذلك:

  • إشعال حروب مدمرة وصراعات دموية في ليبيا واليمن وسوريا ومصر، فضلا عما كان جاريا في العراق والصومال والسودان.
  • اختناقات وانهيارات اقتصادية واجتماعية في معظم الدول العربية.
  • حصار بري وبحري وجوي، وحرب إعلامية واقتصادية، ضد دولة قطر، من جيرانها وأشقائها، ومن شركائها وحلفائها السابقين!!
  • إصابة مجلس التعاون الخليجي بالتسمم والتفكك والجمود.
  • إصابة جامعة الدول العربية بالشلل التام، بعد أن كانت أيام الربيع العربي قد انتظمت في اجتماعاتها، وبدأت تناقش إصلاح أحوالها وتقوية أدائها.
  • وأخيرا جاءنا ما يسمى بالتطبيع، الذي تولَّت كبره والسمسرة له دولة تسمى “دولة الإمارات العربية المتحدة”!، فبدأت بعض الدول العربية تستعيض عن بعضها وعلاقاتها السابقة، بالانخراط في التحالف الجديد، الذي يرأسه ويقوده الكيان الصهيوني بمساعدة الكيان الإماراتي..
    هذه أبرز العلامات و”الإنجازات”، التي حققتها الحرب على الربيع العربي، خلال العشرية المنصرمة..، يقابلها استمرار نمو الوعي والنضج لدى الشعوب، وإصرارها على ضرورة الإصلاح الحقيقي، بعيدا عن الفساد والاستبداد، وعن البهرجة والزيف والمظاهر الكاذبة.
    وها نحن اليوم نستقبل عشرية جديدة (2021/2031).. فهل سيتواصل فيها مسلسل “الانهيارات العربية المتحدة”، أم سنعود إلى مسلسل الإصلاحات والمصالحات؟ وهل سنتخلص من ظلمات التطبيع، ونعود إلى أشواق الربيع؟
    علم ذلك عند الله تعالى {وَإِنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10] الخميس 31/12/2020م
    الموافق 16 جمادى الأولى1442هـ

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.