من الذي خرب البلاد الطغاه ام الشعوب ؟

في الواقع، أي بلد، لا تخرب لأن الناس خرجوا في المظاهرات، أو حتى خاضوا بعض الاشتباكات مع قوات الأمن، وغاية ما تفعله الجماهير في أسوأ الحالات هو بعض التكسير والتخريب في منشآت الاغنياء الأثرياء المحسوبين على السلطة، أو في بعض ممتلكات الأفراد الذين تصادف وجودهم في موقع الاشتباك!

أما الدمار الحقيقي، والخراب الشامل، والموت الذريع الشنيع، فهو الذي ترتكبه قوات الأمن والجيش، حيث تنهمر النيران من البنادق والرشاشات والدبابات والصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية..

فخراب البلد وقتل الناس هو الفعل الذي ترتكبه السلطة التي يقودها سفاح خائن، يعاونه في هذا جنوده الذين سيدخلهم الله النار معه، كما قال تعالى عن فرعون {ويوم تقوم الساعة أدخلوا (آل فرعون) أشد العذاب}.

والإشكال الذي نحب أن نثير انتباه المغفلين إليه هو أن الناس لا تخرج إلى مظاهرات لأن لديها هواية التظاهر أو لأنها تريد الاستمتاع بأجواء الرعب والإثارة!

الجماهير لا تخرج إلى التظاهر إلا لأنها فقدت الأمل في أي أسلوب آخر، فهم يتعرضون للقتل والسحق لأنه الطريق الوحيد الممكن، الذي قد ينبثق عنه أي تغيير!

المظاهرات لا تقوم بها الشعوب إذا كان يمكنها أن تتكلم وتطالب وتنتخب ممثليها وتشارك في صناعة مصيرها.. ولكن: ماذا تفعل الشعوب إذا أغلقت أمامها جميع الأبواب والسبل؟!

الثورة شيء أشبه بالتفاعل الكيميائي، لا يحدث لأننا نحب له أن يحدث أو نكره أن يحدث.. هو يحدث وفقا لقوانين الطبيعة، شئنا أم أبينا.. وبالتالي: فحين تحدث موجة ثورية لن يكون السؤال الصحيح: هل سيؤدي هذا إلى الحل أم لا؟

السؤال الصحيح يكون: كيف نبذل المجهود لكي يؤدي هذا إلى الحل الذي نريده؟!

ومثلما لا يملك أحد أن يحرك الشعوب، فلا يملك أحد أن يوقفها إذا تحركت.. إنه التفاعل الكيميائي الطبيعي للشعب المقهور الذي لا يجد حلا إلا أن يصرخ ويضحي بنفسه.. إنها سيرة الشعوب في كل زمان ومكان، وسيرة حركات المقـ او مـة في كل زمان ومكان كذلك!

ترى الواحد منهم يبذل روحه طائعا، متأمِّلا أن تكون هذه الروح هي الحل الذي يوفر الحرية والكرامة لشعبه وأهله وأمته.. وبالنسبة لنا نحن المسلمين.. فالذي يضحي بروحه إنما يفعل ذلك كله لله ولنفسه، يشتري بروحه هذه الخلود في الجنة والمرتبة العالية فيها مع أسيادنا الأولين الكبار.

الفكرة الأساسية التي أحب التركيز عليها هنا أن خراب البلاد لا يحصل على يد الشعوب.. بل يحصل على يد الحُكَّام.. فلو أن الواحد منهم إذا شعر ببغض الناس له جمع ملابسه وما استطاع من أمواله ورحل، لكان قد وفَّر على نفسه وعلى الناس خراب البلد وضياع الأرواح!

ولكن لأن الواحد منهم ليست عنده مثقال حبة من خردل من وطنية أو انتماء، فهو يفضل أن تتحول البلد إلى خراب شامل، وأن يحكمها وهي قفراء جرداء خالية من كل حياة، على أن يرحل عنها تاركا أهلها يحددون مصيرهم!

بل أسوأ من ذلك..

إن هذا الحاكم لو ترك شيئا من مساحات الحرية والكلام والمشاركة، لاستطاع أن يتمتع بقدر كبير من السلطة، ولكن طبعه الخبيث ونفسه الوضيعة لا ترضى إلا أن يكون سيّدًا فوق العبيد! يأمر وينهى ويسرح ويمرح ويبلع ويرتع فلا رقيب ولا حسيب، ومن شاء أن يتكلم فليتكلم مادحا معظّما لحكمته!

وهذا أمر لا تحتمله النفوس بطبعها، فالله قد خلق الإنسان كريما مكرما، لا يرضى الذل، كما قال ابن خلدون: الإنسان رئيس بطبعه! هكذا خلقه الله.

وكما قال البارودي:

وأقْتَلُ داءٍ رؤية العين ظالما .. يسيئ ويُتلى في المحافل حمده

فليس يرضى بالظلم والقهر إلا الذليل الدنيئ، وهذا لو أمكن للطاغية تحقيقه في جيلٍ قد استطاع سحقه، فلا يملك أن يكرره في كل جيل جديد، فالمولود يولد على الفطرة، وهذا من نعم الله على البشر، أن يستمر التدافع بين الظالمين والمظلومين {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}

الذين يناشدون الناس أن يرضوا بالظلم لئلا تخرب البلد، يعرفون في أنفسهم ويعترفون بلسانهم أن الطاغية على استعداد لتخريب البلد، ولا أن يتنازل عن الحكم ويرحل!! ولكنهم بدلا من أن يقولوا للسفاح الخائن: لا تظلم ولا تخن ولا تقتل، يقولون لمن لا يملك من أمره شيئا: لا تعترض!

وهذا الذي يحاول أن يعترض، لو أنه يملك وسيلة أخرى لفعلها، ولكنه لا يملك شيئا.. كل الأبواب مغلقة وكل الطرق مسدودة.. والطاغية يقولها بلسان حاله، بل بلسان مقاله: “لن تمروا إلا على جثتي”!

وحين يحدث هذا التفاعل الكيميائي الذي لا يملك أحدٌ منا أن يحركه، ولا أن يوقفه، فيجب علينا أن نتمنى ونرجو ونسعى ونبذل، ليكون الوصول إلى جثته بأقل الخسائر وفي أقل وقت ممكن.

وكما قال شوقي:

ولا يبني الممالك كالمنايا .. ولا يُدني الحقوق ولا يُحقّ
ففي القتلى لأجيال حياة .. وفي الأسرى فدى لهمُ وعتق
وللحرية الحمراء باب .. بكل يد مضرجة يُدق

المؤرخ محمد إلهامي

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.