مقبرة الغرباء تثير استياء الحقوقيين في تونس

أثار دفن جثث مهاجرين غير شرعيين في مقبرة جماعية قضوا غرقا قبالة السواحل التونسية استياء عارما، وذلك بعد رفض مسؤولين محليين دفنهم في المقابر العادية لكونهم غير مسلمين وسط إدانات واتهامات واسعة بسوء معاملة الذات البشرية، بينما حذرت منظمات حقوقية من تصاعد موجة العنصرية ضد الأفارقة في البلاد.

وكانت قوات الحرس البحري التونسي قد انتشلت الأسبوع الماضي 82 جثة لمهاجرين سريين أفارقة غرق مركبهم قبل أسبوعين قبالة السواحل التونسية ولفظهم البحر إلى شواطئ جربة وجرجيس وبن قردان التابعة لمحافظة مدنين جنوب البلاد.

جدل واسع
وتناقل التونسيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي صورا تظهر عمليات دفن جثث الأفارقة في مقبرة جماعية، بعد أن تم نقلهم عبر شاحنات قمامة وعبروا عن رفضهم لإطلاق اسم “مقبرة الغرباء” على مكان دفن جثث المهاجرين غير الشرعيين، مشددين على أن القوانين التونسية لا تسمح بمثل هذه التصرفات.

البحر لفظ جثث 82 مهاجرا غير شرعي بمحافظات تونسية وتم دفنها في مقبرة جماعية (مواقع التواصل)
البحر لفظ جثث 82 مهاجرا غير شرعي بمحافظات تونسية وتم دفنها في مقبرة جماعية (مواقع التواصل)
وأعرب التونسيون عن أسفهم مما أسموه سوء تعامل مع الذات البشرية من قبل مسؤولين محليين في محافظة قابس وطالبوا الحكومة التونسية والسلطات باتخاذ مزيد من القرارات والخطوات التي من شأنها إيجاد حل لمشكلة الأفارقة وعمليات الهجرة.

وأكدت بلدية دخيلة توجان التابعة لولاية قابس (جنوب شرق) على صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك” ردّا على الجدل أنه “بعد التشاور مع مجموعة من المواطنين والمجتمع المدني تبين اختلاف وجهات النظر حول دفن مجموعة من الغرقى في مقبرة المنطقة، وتجنبا للاختلاف رفضت البلدية دفنهم في مقابرها”.

موجة استنكار
واستنكر سياسيون وحقوقيون عملية نقل جثث المهاجرين الأفارقة في شاحنات معدة لنقل الفضلات والقمامة، معبرين عن استيائهم من موقف البلديات التي تخلت عن مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية في إيجاد مكان لائق للدفن.

ووصف الرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني للجزيرة نت سلوك البلديات بالمخجل من حيث مراعاة حرمة الذات البشرية بعد الموت، داعيا إلى ضرورة تحمل مسؤولياتها في إيجاد مقابر لجثث المهاجرين بما يحفظ الكرامة بعد الموت ويعطي أملا لعائلاتهم في التعرف إلى جثث أبنائهم وإعادة دفنها.

وقال الرمضاني إنه بقدر ترحيب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأخذ عينات من الحمض النووي للجثث وحفظها، لتمكين عائلاتهم في مرحلة لاحقة من التعرف إلى جثث أبنائهم، فإنه يعبر عن سخطه لما قامت به بلدية جرجيس ليلة السبت 13 يوليو/تموز من دفن جماعي في حفرة واحدة لجثث المهاجرين.

حقوقيون يعتبرون قرار السلطات المحلية دفن المهاجرين منافيا لقيم الدين وحقوق الإنسان (مواقع التواصل)
حقوقيون يعتبرون قرار السلطات المحلية دفن المهاجرين منافيا لقيم الدين وحقوق الإنسان (مواقع التواصل)
التزام
من جهته، أوضح رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان للجزيرة نت مصطفى عبد الكبير أن الجدل بشأن حالات دفن الأفارقة حسم ببعض المجالس ولم يحسم في أخرى، وأنه لا بد على الدولة أن تقوم بدورها في إلزام البلديات بعملية الدفن، اعتبارا لالتزامها بالاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الملزمة.

وأشار عبد الكبير إلى أن العديد من التونسيين عبروا عن نيتهم التبرع بأراضيهم لبناء مقبرة، موضحا أن الجدل والتجاذب داخل المجالس البلدية حول دفن جثث المهاجرين الأفارقة في أراضي المسلمين غير معقول وتم لغايات سياسية، حسب وصفه.

واستنكر عبد الكبير في تصريح للجزيرة نت عملية دفن المهاجرين في مقبرة جماعية، مشيرا إلى أن قرار البلديات مخالف للعمل الديني وأخلاق المسلمين التي تحرص على إكرام دفن الميت.

أما النائب بالبرلمان التونسي عبد المؤمن بلعانس عن الجبهة الشعبية فوصف عملية الدفن بالعنصرية وغير الإنسانية، وطالب بضرورة وضع حد لهذه الممارسات والتصدي لظاهرة الهجرة عبر آليات تقضي على الفقر بالقارة السمراء.

مقبرة الكرامة
ومن جانبه، قال رئيس الهلال الأحمر التونسي بمحافظة مدنين منجي سليم للجزيرة نت إنه تم جمع تبرعات مالية وشراء قطعة أرض لإقامة “مقبرة الكرامة” المخصصة لدفن الأفارقة والأجانب، مشيرا إلى أنه تم نقل جثث الحادثة إلى مقبرة ودفنها في قبور فردية وأن الجثث تحمل رقم ملفها وتحليلاتها الجينية.

وشدد سليم على ضرورة توفير سيارات مبردة لنقل جثث المهاجرين غير الشرعيين لتفادي نقلها في سيارات القمامة، لافتا إلى احتمال حصول حالات غرق جديدة بمدينة جرجيس القريبة من مدينة زوارة الليبية حيث تتم عملية تهجير الأفارقة بحثا عن جنة الفردوس الأوروبي.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.