ما أسباب الصعود الهائل لأسعار الوقود والسلع الغذائية وشح بعضها في ألمانيا؟

منذ اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا بدا أن تأثيراتها لن تقف عند البلدين، فقد عمت أزمات مختلفة عدة دول في العالم نظرا لأهمية ما يحوزه البلدان من ثروات طبيعية مهمة، ولا سيما في مجالي الطاقة والغذاء.

وفي هذا المجال تعرضت أوروبا لأزمة طاقة حادة بسبب اعتماد قسم كبير من دولها على الغاز والنفط الروسيين، فضلا عن نقص في الزيوت الغذائية والدقيق، وكانت هذه الأزمة واضحة المعالم في ألمانيا، فقد ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير حتى وصل سعر لتر البنزين إلى 2.60 يورو (اليورو يعادل 1.05 دولار)، أي ضعف السعر ما قبل الأزمة، وكذلك الحال في أسعار الديزل والغاز الطبيعي، مما أدى إلى تدخل الحكومة الألمانية في محاولة لتخفيض السعر وبدأ سعر البنزين يستقر عند 2.20 يورو وكذلك الديزل عند يوروين اثنين.

وتبقى هذه الأسعار مرهقة للمستهلك الألماني نظرا لثبات الدخول، فضلا عن ذلك شح بعض المواد التموينية -ومنها الزيوت الغذائية والدقيق- وارتفاع واضح في مجمل أسعار الخضروات.

وبسبب شح الزيوت وفقدانها في بعض المولات الكبرى فقد راجت في المحلات الصغيرة، وقفز سعر لتر زيت دوار الشمس إلى 4 يوروات، في حين كان يباع في المولات الكبرى قبل الأزمة بـ1.70 يورو وبقي على هذا السعر، ويُسمح للمستهلك بشراء لترين فقط، مما فتح نقاشا واسعا حول الأمن الغذائي في ألمانيا التي تعد من أكثر الدول اهتماما بالقطاع الزراعي ومن الدول المنتجة للقمح والمصدرة له، كما أن نصف الأراضي الألمانية مخصصة للزراعة.

وتقول الأرقام إن إنتاج ألمانيا من الزيوت النباتية كان قبل أزمة كورونا -أي في 2019- يبلغ 5.7 ملايين طن، علما بأن استهلاك الفرد الواحد يصل سنويا إلى 17.1 كيلوغراما.

وفي 2021 بلغ إنتاج ألمانيا من القمح بمختلف أنواعه نحو 23 مليون طن، فيما يصل حجم التصدير إلى 9 ملايين طن، مما يضعها في المرتبة الثامنة عالميا.

حلول الحكومة الألمانية
ثمة مقترحات بدأت ترشح من قبل الحكومة الألمانية لمعالجة تلك الأزمة التي ذكّرت الألمان بأزمات الحرب العالمية الثانية وما تلتها من مشكلات اقتصادية عانى منها الشعب الألماني، ومن هذه المقترحات:

خفض ضريبة الطاقة على الوقود لمدة 3 أشهر.
وضع سعر ثابت للطاقة لمرة واحدة عند 300 يورو لجميع الموظفين الخاضعين لضريبة الدخل.
مكافأة مواليد 2022 بـ100 يورو لكل مولود ولمرة واحدة.
منح دفعة لمرة واحدة لمتلقي الإعانات الاجتماعية بقيمة 200 يورو.
تذاكر مخفضة للمواصلات العامة.

قلق لدى المواطن الألماني
وبشأن ارتفاع الأسعار وشح بعض المواد، قال مدير المركز العربي في برلين الدكتور ضرغام الدباغ “إن هناك أسبابا تتمثل في انقطاع بعض المواد عن السوق بفعل الحرب الأوكرانية، كالقمح وزيت الذرة ودوار الشمس، وهناك تخوف من اتساع نطاق الحرب”.

وأضاف الدباغ للجزيرة نت “قد تؤدي الأحداث الصغيرة إلى نتيجة كبيرة مثل انقطاع إمدادات الطاقة (الغاز) أو تقليصها، ولا سيما بعد أن عمدت الحكومة الروسية إلى قطع إمدادات الغاز عن بولونيا وبلغاريا”.

وأكد أن لهذه الأوضاع انعكاسات أخرى تتمثل في شيوع حالة من القلق وربما الذعر، و”هذا له أبعاده، فإما أن يعمد التجار إلى تقنين إنزال السلع للسوق أو الإقبال المتزايد للجمهور على الشراء والتخزين، وقد يتسبب ذلك في إنتاج حالة اجتماعية اقتصادية مرتبكة ستكون لها نتائجها الاقتصادية في السوق”.

وقال الدباغ إنه ليس بوسع الحكومات فعل الكثير بصورة مباشرة، لكن الحكومات المركزية القوية في أوروبا -مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا- يمكنها أن تلعب أدوارا غير مباشرة في الحيلولة دون الانزلاق إلى مواقف وأوضاع أكثر صعوبة، و”نعتقد أن الحكومات الأوروبية مدركة بصورة تامة لأبعاد الموقف وحريصة على ألا تمضي لمزيد من التدهور”.

تدخّل الحكومة لتخفيض أسعار الوقود لم يحل المشكلة
مع ازدياد ارتفاع أسعار الوقود بنسب وصلت نحو 80% في المتوسط كان لا بد من تدخل الحكومة للحد من ارتفاع الأسعار، وقد تم خفضها لكن ذلك لم يحل المشكلة بحسب تصريح ألكس شور العامل في محطة وقود بمدينة رويتلينغن الألمانية للجزيرة نت.

وعلى الرغم من أن الحكومة الألمانية شرعت خلال هذا الشهر في تنفيذ قرار خفض أسعار المحروقات ضمن خطة سريعة لمعالجة هذه الأزمة فإن هذا لم يسهم بشكل كبير في تخفيف العبء على المواطنين وانخفاض أسعار المنتجات الأخرى التي تعتمد بشكل رئيسي على النقل الداخلي والخارجي.

وعن انعكاس زيادة أسعار الوقود على المواطنين، قال شور إن ارتفاع أسعار المحروقات يمثل عبئا على كاهل المواطنين والشركات، إذ يساهم بشكل كبير في ارتفاع معدل التضخم في ألمانيا وزيادة أسعار العديد من المواد الغذائية والمنتجات المستوردة، في وقت ظلت رواتب العمال والموظفين دون أي زيادة.

واعتبر أن الحرب في أوكرانيا هي سبب ما يجري، لأن روسيا أحد أهم مصادر الطاقة لأوروبا وليس فقط ألمانيا، وهذا الأمر له أثر واضح على إمدادات النفط الخام الروسي الذي يستخدم في إنتاج كل أنواع الوقود بدءا من البنزين وحتى وقود الطائرات.

تخفيض الضريبة المضافة
رغم الحلول التي تطرحها الحكومة الألمانية وتدخلها للحد من ارتفاع أسعار الوقود وتقديم الدعم الاجتماعي والعمل على توفير المواد التي شحت في الأسواق فإن هذه الحلول تبدو في نظر كثير من الألمان إسعافية وليست علاجا للمشكلة.

ويعتقد هؤلاء أن الزيادات تصب في مصلحة الحكومة، فكلما ارتفعت أسعار المواد -برأيهم- تكبد المواطن الخسائر وزادت إيرادات الضرائب، لذلك فإنه لا بد من تخفيض الضريبة المضافة أو إلغائها.

الجزيرة نت توجهت بالسؤال لنائل آكاي مدير متجر آكاي عن الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الغذائية وشح بعضها وتوافر هذه المواد في المتاجر الخاصة مع ارتفاع ثمنها، فقال لا شك أن ما نعيشه الآن سببه حرب روسيا على أوكرانيا، إذ يعد البلدان من أهم مصادر القمح والزيوت الغذائية، وهذا ما أدى لارتفاع أسعار الزيوت.

ويضيف أن لتر زيت دوار الشمس أصبح يباع الآن في المتاجر الخاصة بضعفي سعره قياسا لما قبل الأزمة، مشيرا إلى أن جل الذين يعانون من الزيادات يرون أن تخفيض الضريبة المضافة يساهم في تخفيف أعباء تلك الأزمة.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.