مارس الأسود لدى الإسرائيليين.. ربع قرن على عمليات “الثأر المقدس” انتقاما ليحيى عياش

قبل أن يطوي مارس/آذار ساعاته الأخيرة، يحيي الفلسطينيون ذكرى مرور 25 عاما على تنفيذ المقاومة عمليات “الثأر المقدس” التي بسببها وصف الإسرائيليون هذا الشهر بأنه “مارس الأسود”.

متى بدأ تنفيذ عمليات “الثأر المقدس”؟

تستلهم ثورة البراق ومبدأ العين بالعين.. تعرف على البرنامج النضالي للقيادة الموحدة للمقاومة الفلسطينية
حماد لـ “ميدان”: حماس ستُفاجئ الصديق قبل العدو في أي مواجهة للاحتلال
الشباب الإسرائيلي عازف عن الخدمة في الجيش.. وهذه هي الأسباب
بادرت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لتنفيذ هجماتها الاستشهادية، انتقاما لاغتيال المخابرات الإسرائيلية لأبرز قادتها يحيى عياش، الملقب بـ “المهندس”، يوم 5 يناير/كانون الثاني 1996، من خلال تفجير هاتفه المحمول.

امتلكت إسرائيل ما وصفته حسابا داميا طويلا مع عياش، لإشرافه على تجهيز الاستشهاديين خلال عمليات “العفولة، الخضيرة، شارع ديزنكوف، رامات غان، رامات أشكول، الحافلة 18، عسقلان، مقهى أفروفو، سوق محنى يهودا” التي سقط خلالها مئات القتلى وآلاف الجرحى الإسرائيليين عامي 1994-1995.

ما أبرز هذه العمليات؟
شهدت المدن الإسرائيلية هذه الهجمات التي أسفرت عن مقتل 60 إسرائيلياً، وإصابة 210 آخرين، بتخطيط وإشراف مباشرين من حسن سلامة أحد قادة القسام الذي انتقل من قطاع غزة إلى الضفة الغربية لتنفيذ المهمة التي كلفه بها القائد العام للكتائب محمد الضيف، ويقضي سلامة بالسجون الإسرائيلية 48 مؤبدا، لاتهامه بالمسؤولية عن العمليات.

بدأ مجدي أبو وردة هذه العمليات بمدينة القدس، بتفجير نفسه داخل حافلة إسرائيلية، أسفرت عن مقتل 24 إسرائيليا، بينهم 13 جنديا، وإصابة أكثر من 50 آخرين.

وبعد 30 دقيقة نفذ إبراهيم السراحنة عمليته عند مفترق طرق في عسقلان، فقتل 3 جنود إسرائيليين، وأصاب 30 آخرين بينهم الكثير من الحالات الخطيرة.

ثم جاء رائد الشغنوبي الذي فجر نفسه في حافلة إسرائيلية بالقدس، فقتل 19 من الإسرائيليين، وأصاب 10 آخرين.

ثم جاء رامز عبيد من الجهاد الإسلامي، ليفجر نفسه في مركز التسوق في ديزنغوف وسط تل أبيب، ليوقع 13 قتيلا، ويصيب 120 آخرين.

يلاحظ من استعراض هذه العمليات اتساع دائرة الاستهداف من قبل المقاومة، وجهاز التخطيط الذي يُعِدّ لها، مما تسبب باتساع حجم الخسائر الإسرائيلية، وازدياد الحيرة والإحباط التي تعانيها أجهزة أمن الاحتلال.

كيف ساهمت تلك الهجمات بزيادة رصيد المقاومة؟
شكلت عمليات “الثأر المقدس” وسيلة أكثر إيلاما لإسرائيل، فحدودها لم تتوقف في الأراضي المحتلة 1967، بل تقدمت ووصلت إلى عمق إسرائيل، واعتبرت نوعاً من توازن الرعب والردع مع المحتل، ولئن كان ميزان الفعل مختلاً لصالحه بحكم ترسانته وقدراته الحربية الضخمة، فإن مدى الرعب والفزع الذي نجم عن عمليات “الثأر المقدس” كشف حقيقة الردع الذي أحدثته في أوساط الإسرائيليين.

لقد نظرت المقاومة الفلسطينية لتلك العمليات باعتبارها الخيار الأكثر أهمية أمام شعبها في تلك المرحلة، وذلك لمنع إسرائيل من أن تجني ثمار ميل ميزان القوى العسكري لصالحها، والنتيجة أن الإسرائيليين فقدوا الأمن مقابل افتقاد الفلسطينيين للشعور نفسه.

هل نجح “الثأر المقدس” بفقدان الإسرائيليين لأمنهم؟
توالت الاعترافات الإسرائيلية بشأن النتائج والتبعات التي تركتها عمليات “الثأر المقدس” فقد “عاشوا أيامًا سوداء، حين بدأت الحافلات بالانفجار، ولم تعد الحرب داخل الحدود، أو على أعتابها، بل دخلت إلى المنزل، وقلبت كل شيء، والنتيجة أن الخوف ملأ أرجاء إسرائيل، من ركوب الحافلة، أو المرور بجانب السيارة، أو الوقوف عند إشارة المرور”.

يقول الباحث الإسرائيلي ميشيل فروند “العملية الاستشهادية ليست حدثا مروعا في موقع بعيد عنك حتى تنساه، بل حقيقة تخرج وتدخل في نفسك، إنها هنا مرعبة كالجحيم، وبسببها أصبحت الحياة في إسرائيل غير معقولة، والعيش في هذا الوضع كاف بأن يسبب انهيارا نفسيا لأي إسرائيلي، وزرع الخوف في مستقبله”.

لماذا فشل الإسرائيليون في وقف “الثأر المقدس”؟
رغم الأثمان البشرية الباهظة التي دفعتها إسرائيل بسبب عمليات “الثأر المقدس” فإن محاولاتها فشلت بتغييبها عن واقع الصراع مع الفلسطينيين، ولعل رئيس الوزراء الراحل إسحق رابين اعترف مسبقاً بالعجز في مواجهة الاستشهاديين الذين أعدهم وأرسلهم عياش ذاته، قائلاً لمنتقديه “ماذا أفعل لإنسان يريد أن يموت”؟

واعترف الجنرال “غان لوفت” بأن الفلسطينيين “يدركون أن إسرائيل لا تمتلك سلاحا مضادا للاستشهاد، وإذا نجحت باستحداث النظام الصاروخي لمواجهة صواريخ سكود فإنها لا تملك لمواجهة القنبلة البشرية غير بناء الأسوار”!

ويضيف أن الفلسطينيين “أدركوا أن الهجمات الانتحارية سلاح إستراتيجي، يحقق التوازن أمام التفوق العسكري الإسرائيلي، ولذلك قرروا استخدامها بطريقة منظمة، لأنها تحقق لهم ما لم يحققه سلاح آخر، فقد منحتهم القدرة على إنزال خسائر بالغة وغير مسبوقة بإسرائيل، وقربت لهم تحقيق التعادل الإستراتيجي معها”.

وزعم رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) ووزير الأمن الداخلي السابق آفي ديختر بأن “العمليات الاستشهادية التي حصدت معظم القتلى الإسرائيليين تشكل تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل”.

ما أبرز الاعترافات الإسرائيلية حول فشل وقف العمليات؟
دفع الإخفاق الإسرائيلي أمام عمليات “الثأر المقدس” بوسائل الإعلام الإسرائيلية لأن تعنون صحفها ونشرات أخبارها على النحو التالي: إما أن تحلوا مشكلة الانتحاريين، أو فلتذهبوا للجحيم! الحكومة العاجزة الفاشلة لا تحكم! ازدهار كتائب الموت! انتحاريو حماس يفرضون حظر التجوال في إسرائيل! الإسرائيليون يذوقون طعم الفشل الأمني على أجسادهم! إسرائيل: المكان الأخطر على اليهود في العالم! بفعل العمليات الانتحارية: إسرائيل تحترق، الأمن يتقوض، الاقتصاد يتدهور! الانتحاريون يحددون أيامنا وأعمارنا، يتعقبون خطواتنا، يمسكون برقابنا، ويمصّون دماءنا! العمليات الانتحارية نقلت اليأس من جيل لآخر”!

كيف انعكست العمليات الاستشهادية على الإسرائيليين؟
أكدت جمعية عيران الإسرائيلية للاستشارات النفسية أن الأوضاع الأمنية السيئة وتزايد “العمليات الاستشهادية” رفعت عدد الإسرائيليين المتوجهين لطلب الاستشارات النفسية، وزيادة حالات الاكتئاب، وارتفاع تناول المهدئات.

وذكرت دراسة أعدها روتيال غروس من معهد بروكدايل بأن واحدا من كل ثلاثة إسرائيليين يعاني اضطرابا نفسيا، بعد عمليات “الثأر المقدس”، كما طرأ ارتفاع كبير على نسبة المتوجهين لمراكز الصحة النفسية.

حتى أن مؤتمرا علميا إسرائيليا عقد بعنوان “حياة تحت الصدمة” وقد شملت مداخلاته العلمية معلومات مذهلة حول ما فعلته تلك العمليات بالمجتمع الإسرائيلي، أخطرها أن 30% منهم أبدوا رغبتهم بالهجرة خارج إسرائيل.

أي علاقة بين “الثأر المقدس” والهجرة اليهودية المعاكسة؟
أدت العمليات الاستشهادية “الثأر المقدس” إلى انخفاض نسبة الهجرة لإسرائيل بصورة مقلقة، ليس ذلك فحسب، بل ازدادت نسبة المهاجرين اليهود بصورة معاكسة خارج إسرائيل، فأكد 42% أنهم يودون مغادرتها، والإقامة بدولة أخرى أكثر أمناً، وظهر ذلك بانخفاض بيع الوحدات السكنية داخل المستوطنات إلى النصف.

وذكرت بيانات مركز الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن 32 ألفا و500 إسرائيلي تركوا مدينة القدس التي شهدت أخطر الهجمات، مقابل 19 ألفا و220 دخلوها.

وأعلنت رئيسة لجنة استيعاب المهاجرين في الكنيست كورت أفيتال أنه لأول مرة في تاريخ الصراع، أثبت الفلسطينيون للإسرائيليين أن الاحتلال أمر مكلف، حتى أنهم بدون أسلحة متطورة وحديثة، صنعوا ميزان رعب، ولم يكن صدفة أن عدد المهاجرين من إسرائيل فاق عدد القادمين إليها، فقد وصل معدل عدد القادمين 21 ألفا، ووصل عدد المهاجرين منها 27 ألف يهودي.

اعلان
كما جزم رئيس بلدية القدس السابق تيدي كوليك بفشل المشروع الصهيوني عقب تلك العمليات التي تسببت بالعجز عن جلب اليهود لإسرائيل، بقوله “أحدنا لا يكاد يصدق ما تراه عيناه، وهو يرى الحجم الكبير للهجرة العكسية من إسرائيل للخارج، فاليهود لا يهمهم العيش في دولة يهودية، بقدر ما يعنيهم العيش في بيئة آمنة ومربحة”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.