لماذا اهتم الإسلام باطمئنان القلب؟

ريما محمد زنادة

حينما أتأمل طلب إبراهيم عليه السلام في قوله الله تعالى “وإذْ قال إبْراهيم رب أرني كيْف تحْيي الْموْتى قال أولمْ تؤْمنْ قال بلى ولكنْ ليطْمئن قلْبي..” (البقرة:260)، أرى أن لديه اليقين التام بقدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، لكنه يريد أن يستزيد بصيرته، حتى إذا سئل هل رأيت إحياء الموتى؟ ليجيب “نعم”، فالمخبر ليس مثل المعاين، وبهذا الأمر يصبح لديه علم اليقين بعد رؤية إحياء الموتى من خلال الاستدلال عين اليقين بالمشاهدة.

هذا الأمر غاية عظيمة ومشهد من الصعب وصفه، فهو يتعلق بالخالق الذي يقول في كتابه الكريم “الله خالق كل شيء” (الزمر:62)، فكيف يسأل إبراهيم عليه السلام ذلك؟ قد يدور هذا السؤال في عقلك، ومع ذلك أجابه الله تعالى فيما يريد فهو يعلم حاجة النفس البشرية، فقال عز وجل “قال فخذ أربعة من الطير فصرْهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادْعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم” (البقرة:260).

كل هذا الإعجاز في قدرة الله سبحانه وتعالى في إحياء الموتى الذي شاهده إبراهيم عليه السلام حتى “ليطْمئن قلْبي”.

وهذا يشير إلى عظمة الإسلام واهتمامه بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تتعلق بالإنسان، فهو يعلم فطرة الإنسان وكل حاجاته وخاصة المهمة وهي الاطمئنان القلبي، حيث ذكرت الكثير من الآيات الكريمة التي تؤكد ذلك وكيفية السبيل للوصول إليه، فقد جاء في قوله تعالى “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكْر الله ألا بذكر الله تطمئن الْقلوب”(الرعد:28).

وعندما تسأل عن أهمية الاطمئنان وحدوثه لدى الإنسان فإن الإجابة تكمن في عظمة هذه الحاجة في كل شيء، فاطمئنان القلب يعطي السكينة والراحة النفسية الكبيرة جدا، ويورث القلب البصيرة، فالقلب يكون هادئا مطمئنا فبالتالي ستشعر كافة أعضاء الإنسان بذلك، وهذا بكل تأكيد سوف ينعكس على أفعاله، وتصرفاته مع الآخرين بشكل إيجابي.

وعدم الاطمئنان سيؤدي إلى عكس ذلك، ويكون له تأثيرات سلبية سيئة ستصيب الشخص نفسه أولا، وبعد ذلك تنعكس على تصرفاته بما يؤذي به غيره، سواء بقصد أو حتى من دون قصد.

هذا الأمر يتطلب منك في كل موقف يمر بك وأنت تتعامل مع غيرك أن تذكر قول إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى “ليطمئن قلبي”.

إذا وجدت طفلا صغيرا خائفا أعطه الأمان، ابتسم في وجهه، قدم له الحلوى، تيقن بعد ذلك أنه سيطمئن قلبه وتسكن نفسه بالهدوء والسعادة.

وحينما تكون مع زوجتك أشعرها بالأمان والحب بكلامك وأفعالك، حتى وإن لم تسأل ذلك، ليطمئن قلبها، وكذلك أطفالك لا تبخل عليهم بالحب والمعاملة والكلمات الطيبة، حتى تطمئن أفئدتهم وتسعد حياتهم.

وكذلك في عملك عبر عن ترحيبك بزميلك، اشكره على حسن الأداء، ابتسم في وجهه حتى يطمئن قلبه، في كافة أفعالك في كل مكان تذكر حاجة من حولك “ليطمئن قلبي”، هذه عبادة عظيمة لها أثر كبير في النفس البشرية.

والأمر لا يقتصر على كلمات تقال فحسب، بل لا بد من ترجمتها فعليا حتى يشعر الإنسان حقيقة الاطمئنان ويستقر ذلك في نفسه.

وقد تجد كثيرا من الخلافات بين الأشخاص سببها أن كل واحد منهم لا يشعر بالاطمئنان باتجاه غيره، خاصة حينما يجد كلامه مخالفا كليا لأفعاله التي تشعر بالريبة تجاه النفس، وبالتالي سيكون له أثر بالشعور بالخوف وعدم الارتياح.

فإذا أردت أن تكون بالفعل صادقا بكلماتك فعليك ترجمتها بأفعالك، فأنت حينما تريد أن تنهي خلافا مع غيرك لا تبتسم أمامه وأنت قد تلحق الأذى به بأفعالك؛ بل كن من يتبع هذه الابتسامة الجميلة بفعل أجمل حتى تطمئن أفئدة من حولك.

ورحم الله قارئ دعاء لي ولوالدي بالمغفرة “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعْلمون” (يوسف:21).

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.