كيف تنظر إسرائيل إلى “عريضة” ترفض التعريف الصهيوني لـ “اللاسامية”؟

إن صندوق إسرائيل الجديد وسلسلة أخرى من منظمات “تقدمية” في الولايات المتحدة، منها “جي ستريت” و”أمريكيون من أجل السلام الآن” و”بناة الحرية في أمريكا الشمالية” و”الحارس الشاب العالمي”، كلها صاغت عريضة تدعو حكومة الولايات المتحدة إلى الامتناع عن تبني التعريف اللاسامي قانونياً مثلما صاغه “التحالف الدولي لحماية ذكرى الكارثة” (آي.اش.آر.ايه)، والتي تبنتها سابقاً عشر دول (تشمل دول فيها أغلبية إسلامية مثل البحرين وألبانيا، والمغرب على الطريق). إن الخوف، كما شرح الموقعون، هو اتساع التعريف، إذ يسمح بإساءة استغلال محاربة اللاسامية لـ “قمع حرية التعبير الشرعية، وانتقاد نشاطات حكومة إسرائيل، وتأييد نشاطات سياسية من أجل حقوق الفلسطينيين”.

ما الذي يقلق الذين صاغوا العريضة؟ هم يتحفظون من البند الذي يقدم كمثال على اللاسامية، أولئك الذين يقولون إن “وجود إسرائيل مشروع صهيوني”، وهنا المشكلة، “وجودها”، لا سياسة حكومتها. أي أن من صاغوا العريضة يريدون أن يشرعنوا، كنقد رسمي، الأفكار المؤيدة لقرار مشين أعلنته الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في العام 1975 الذي نص على أن “الصهيونية عنصرية”. لقد كان هذا القرار مشيناً، وحتى الأمم المتحدة التي لا تعدّ منتدى ودوداً لإسرائيل، رأت صحة إلغائه في 1991. اعتاد عاموس عوز على القول بأن من يعتقد أن كل الشعوب لها الحق في تقرير المصير، باستثناء اليهود، هو لاسامي. وحسب هذا التعريف، الذي كان للمثقف اليساري الإسرائيلي وليس لـ آي.اش.آر.ايه، فإن صندوق إسرائيل الجديد وشركاءه لا يعملون فقط للتمييز بين نقد شرعي للعنصرية المناوئة لليهود، بل من أجل الدفع قدماً بشرعية وتطبيع للاسامية نفسها.

ولإزالة الشك، فإن العريضة التي وقعوا عليها لا توضح فقط “ما” الذي تريد تحليله، بل أيضاً “من” الذي تريد تحليله: “إن البيان الحاد الصادر عن وزارة الخارجية في فترة وزير الخارجية بومبيو، الذي قال بأن “مناوءة الصهيونية هي لاسامية” وأن “الحملة العالمية لـ بي.دي.اس هي تجسيد للاسامية”، هو مبالغة ضارة”.

اعتاد اليسار المتطرف بين حين وآخر طمس الخط الفاصل بين من يعارضون الاحتلال ويؤيدون دولتين لشعبين، وبين من لا يعترفون بحق وجود دولة قومية للشعب اليهودي، ويعتقد أن الصهيونية انحراف تاريخي مؤسف، ومشروع كولونيالي غير شرعي ويجب إعادته إلى الخلف. حركة المقاطعة تسهل على من يريدون طمس الفرق بين الموقفين، لأنها تصف نفسها بصورة صريحة كنضال ضد الاحتلال. من هذا المفهوم كان يمكن أن نعتقد خطأ أن الأمر يتعلق بحركة تسعى إلى السلام وتؤيد حل الدولتين للشعبين. ولكن العكس هو الصحيح، فهذه الحركة تريد إفشال احتمالية تقسيم البلاد لأنها تعارض أي حل يتضمن أيضاً دولة غير فلسطينية. من ناحية بي.دي.اس، فإن كلمة احتلال لا يتطرق للحكم العسكري في يهودا والسامرة، بل في كل أرض إسرائيل، وأن تصفية الاحتلال تعني -حسب رأيهم- تصفية دولة إسرائيل. إنهم يريدون الدفع قدماً بهذه الخطة بواسطة توطين الشتات الفلسطيني داخل الخط الأخضر، ما يسميه الفلسطينيون بالاسم المضلل “حق العودة”. لا يدور الحديث عمن ينتقدون سياسة إسرائيل، بل عن أعداء لدودين لمجرد وجودها. لذلك، فإن اعتبار هذه الحركة حركة لاسامية يجب أن يكون مفهوماً بحد ذاته. وهذه لم تكن نزوة لإدارة ترامب، بل هي أمر وافقت عليه -من بين دول أخرى- ألمانيا وفرنسا وكندا. عندما نربط هذه الوثيقة مع باقي مشاريع الصندوق الجديد لإسرائيل، مثل دعم المنظمات التي تحتج على الطابع القومي للدولة، أو الذين يسعون إلى تقويض قانون العودة، فمن الواضح أنه لا يمكن مواصلة التعامل معها بصفتها جمعية خيرية أو منظمة، حسب وصفها لذاتها، تعمل فقط من أجل الدفع قدماً بالديمقراطية والمساواة والأخوة وحقوق الإنسان. الحديث يدور عن صندوق يهز أركان المشروع الصهيوني بصورة دائمة ومؤثرة. الدعم الصريح إن محاولة تقليص تعريف اللاسامية، سيمكن أعداء واضحين لدولة إسرائيل بأن ينظفوا أنفسهم من هذه اللوثة، وهو دليل واضح على المعنى المخفي خلّف كثيراً من نشاطاته الأخيرة. إذا كان هناك في أي وقت من الأوقات سلام بيننا وبين جيراننا، وإذا نمت محبة أكبر بين قطاعات مختلفة في المجتمع الإسرائيلي، وإذا تحسنت الديمقراطية لدينا، فسيكون ذلك رغم أنف الصندوق الجديد لإسرائيل وليس بفضله

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.