{قل الله ينجّيكم منها ومن كلّ كرب}
إنَّ اَلْإِنْسَانَ – فِي اَلْغَالِبِ – عِنْدَ نَجَاتِهِ، أَوْ قَبْلَ نُزُولِ اَلْكَرْبِ فِي سَاحَتِهِ يَتَجَاوَزُ حُدُودَهُ، خَاصَّةً فِي لَحَظَاتِ صِحَّتِهِ وَثَرَائِهِ وَسَعَادَتِهِ وَأَفْرَاحِهِ وَعِزِّهِ وَاِرْتِفَاعِهِ؛ فَيَنْسَى فِيهَا رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا، وَيَتَكَبَّرُ عَلَى مَنْ حَوْلِهِ، وَيَنْسُبُ اَلْفَضْلَ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ نِعَمٍ إِلَى نَفْسِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 49] إِنَّ الَّذِي يَعِيشُ دُونَ مَنْهَجٍ، وَدُونَ هُدًى أَوْ إِيمَانٍ؛ يَنْسَى رَبَّهُ فِي سَعَادَتِهِ، ثُمَّ يَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي كَرْبِهِ، وَهَذَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا وَلَا قَدْحًا؛ بَلْ هُوَ خَيْرٌ وَفَضْلٌ مِنَ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ رُجُوعًا كُلِّيًّا، لَا غَدْرَ فِيهِ وَلَا جُحُودَ؛ وَلَكِنَّ اَلْمُصِيبَةَ أَنَّهُ إِذَا أَنْجَاهُ اللهُ مِنْهَا نَسِيَ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَادَّعَى أَنَّ النَّجَاةَ مِنْ ذَلِكَ الضُّرِّ اَلَّذِي أَصَابَهُ؛ إِنَّمَا كَانَتْ بِأَسْبَابٍ تَعُودُ لِعَقْلِهِ وَذَكَائِهِ وَحِنْكَتِهِ وَفِطْنَتِهِ وَتَخْطِيطِهِ، فَهَذَا اَلْأَحْمَقُ اَلْمَغْرُورُ؛ سُرْعَانَ مَا عَادَ إِلَى غَيِّهِ الْقَدِيمِ، وَضَلَالِهِ الْمُبِينِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾؟ يَا لَسُوءِ أَخْلَاقِهِمْ، وَسُرْعَةِ تَقَلُّبِهِمْ! سُبْحَانَ اللهِ! عِنْدَمَا كُنْتُمْ فِي كَرْبِكُمْ لَمْ تَجِدُوا إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اَلْيَقِينِ أَنَّهُ – عَزَّ فِي عُلَاهُ – هُوَ اَلْوَحِيدُ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ اَلْكُرُبَاتِ عَنْكُمْ، وَيُزِيلَ اَلْوَحْشَةَ مِنْ صُدُورِكُمْ، وَاَلْأَحْزَانَ مِنْ قُلُوبِكُمْ، وَيَهْدِيَكُمْ وَيُصْلِحَ بَالَكُمْ، وَيَقْضِيَ دُيُونَكُمْ، وَيَزِيدَ أَمْوَالَكُمْ، وَيَشْفِي مَرْضَاكُمْ؛ فَتَطِيبُ بِفَضْلِهِ وَبِنِعْمَتِهِ خَوَاطِرُكُمْ، وَتَنْقَشِعُ غُيُومُ اَلْأَحْزَانِ عَنْكُمْ اَلَّتِي كَانَتْ تُكَدِّرُ صَفْوَ حَيَاتِكُمْ. فَأَصْلَحَ بِرَحْمَتِهِ أَحْوَالَكُمْ، وَلَكِنَّ فَرِيقًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ – مِنْ جَهْلِهِمْ بِقُدْرَةِ رَبِّهِمْ – أَنَّهُمْ إِذَا نَجَوا مِنَ اَلْكَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَمْلُكُونَ اَلْقُدْرَةَ عَلَى أَلَّا يَقَعُوا فِي كَرْبٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ سَيَأْخُذُونَ فِي الْمَرَّاتِ الْقَادِمَةِ اَلْحَذَرَ وَاَلْحِيطَةَ؛ حَتَّى لَا يَقَعُوا فِي الْكُرُبَاتِ مِنْ جَدِيدٍ؛ فَاسْتَغْنَوا – بِظَنِّهِمُ الْكَاذِبِ – عَنْ رَبِّهِمْ، وَصَدَقَ اللهُ: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ فَهَلْ نَسُوا أمْ تَنَاسَوا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ دَعَوْا اللهَ فِي كَرْبِهِمْ بِكُلِّ ذُلٍّ، وَحُسْنِ تَضَرُّعٍ وَخُضُوعٍ؛ أَنْ يُنْجِيَهُمْ بِرَحْمَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْكُرُبَاتِ، وَوَعَدُوهُ أَنْ يَكُونُوا بَعْدَ النَّجَاةِ مِنْ اَلْعَابِدِينَ الشَّاكِرِينَ لَهُ؟ فَاسْتَجَابَ اللهُ لِدُعَائِهِمْ، وَمِنَ الْكُرُبَاتِ نَجَّاهَمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِعِلْمِهِ النَّافِذِ أَنَّهُمْ بَعْدَ النَّجَاةِ سَيَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ، لِأَنَّ اَلْإِنْسَانَ اَلْمَخْذُولَ عَنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِ؛ هُوَ الَّذِي يَحْيَا فِي خُسْرَانٍ، وَيَعِيشُ بِجُحُودٍ، وَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالٍ، وَنَسِيَ هَذَا اَلْجَاحِدُ الْجَاهِلُ أَنَّ مَنْ أَوْقَعَهُ فِي الْكَرْبِ اَلْأَوَّلِ ثُمَّ نَجَّاهُ مِنْهُ؛ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُوْقِعَهُ فِي كَرْبٍ غَيْرِهِ، قَالَ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام]
{قل الله ينجّيكم منها ومن كلّ كرب}
و انت كذلك لك في هذه الآية مواساة عظيمة في هذه الآية في جميع الامور المظلمات، الخانقات، الضيقات في الهموم التي ليس لها من دون الله كاشفة، ما هو الكرب الذي نظنّ
أننا سنموت فيه حزنًا؟ أو الهمّ الذي نظنّ أنه لن ينقضي أبدًا؟ سينجّينا الله منه، ليس منه
وحسب.. بل {ومن كلّ كرب}