عنيفة وتهدد الهوية.. موجة انتقادات للدراما التونسية في رمضان

شهد الموسم الرمضاني الحالي عودة لافتة للإنتاج الدرامي والكوميدي في تونس مقارنة بنقص الأعمال في السابق، حيث تُعرض ستة مسلسلات درامية، إضافة إلى أربعة كوميدية من نوع “ست كوم”.

محاباة وتزييف
أثار بيان صادر عن بعض مكاتب قياس نسب المشاهدة استياء كبيرا في تونس، حيث اعتبر البعض أنه لا يُمكن الحكم على تقييم لجان المشاهدة بسبب محاباتها لعدد من رجال الأعمال وأصحاب القنوات الخاصة، وهي إحدى الإشكاليات المهمة التي تعاني منها صناعة الدراما في تونس، إضافة إلى قلة عدد كُتاب السيناريو، وهو ما أدى إلى خروج عدد من الأعمال الدرامية بشكل ضعيف، رغم شعبيتها وتحقيقها لملايين المُشاهدات على موقع “يوتيوب”.

عنف وقتل
أما العنوان الأكبر للدراما التونسية هذا الموسم فكان “للكبار فقط”، خاصة مسلسل “أولاد مفيدة” الذي بالغ في عرض مشاهد العنف والقتل، وهو ما دعا الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا)، لإرسال لفت نظر لقناة الحوار التونسي، دعتها فيه للالتزام بعدم عرض المسلسل قبل الساعة العاشرة مساء، مع إلزامها أيضا بوضع شارة على كامل الشاشة وبخط واضح “هذا البرنامج يحتوي على مشاهد عنف من شأنها التأثير على الفئات الحساسة، وخاصة الأطفال دون سن 12 سنة”.

المسلسل المثير للجدل بُثت آخر حلقاته بعد موجة من الانتقادات طالته بسبب مشاهد العنف التي تضمنها منذ أجزائه الأولى، وسط اتهامات لصاحب القناة وكاتب سيناريو المسلسل سامي الفهري من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتغذية المجتمع بمشاهد العنف، ومطالبات بمقاطعة المُسلسل لما أسموه بإهانة التونسيين وضرب الهوية التونسية ببث السموم في البيوت.

لسنا في المدينة الفاضلة

بخلاف “أولاد مفيدة” فإن هناك عددا من المسلسلات التي وضعت شارة “للكبار فقط”، وأخرى حوت مشاهد عنف، إلا أنها في الوقت ذاته حظيت بنسب مشاهدة عالية أيضا رغم الانتقادات، مثل مسلسل “المايسترو” الذي يُعرض على القناة الوطنية الأولى.

ويضم مسلسل “المايسترو” عدة ممثلين، منهم درة مرزوق التي تركت الدراما المصرية هذا الموسم لتُشارك في رمضان تونس، ويعرض على مدى عشرين حلقة مشاكل أطفال الشوارع والمراهقين عبر قصص وتجارب مختلفة في مراكز الأحداث.

كذلك مُسلسل “شورّب” الذي يعود للموسم الثاني على التوالي بعد نجاحه الكبير في رمضان الماضي، ويؤدي دور البطولة فيه لطفي العبدلي، ويحكي قصة الشخصية المثيرة للجدل علي شورّب الذي يعدّ من أشهر فتوّات تونس في فترة ما بعد الاستقلال، وارتبط اسمه بالفتوّة وحب والدته في الذاكرة الشعبية، وهو متأثر لحد كبير بشخصية إبراهيم الأبيض الذي جسده أحمد السقا في فيلم حمل الاسم نفسه.

مشاهد العنف والحديث عن أطفال الشوارع والبلطجة التي استهجنها الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دعت بطلة مسلسل “أولاد مفيدة” وحيدة الدريدي لكتابة تدوينة في صفحتها الشخصية على “فيسبوك”، قائلة: “لأننا الشعب الملاك، أهلا وسهلا، بلهجة السخرية”.

وواصلت الممثلة خلال تدوينتها تفصيل مضمون الانتقادات، لتنتهي بأن الواقع “أمرّ” من مشاهد المُسلسل الخادشة للحياء وللذوق العام، فلماذا يتم إخفاء استهلاك المخدرات بين القُصّر أو تناول الخمور، وهي موجودة بالفعل؟

تهديد الهوية
الناقد الفني يسري بوعصيدة مؤلف مسلسل “علي شورّب”، يرى أن الدراما التونسية هذا الموسم شهدت تطورا على مستوى الكم والكيف، إلا أنه في الوقت نفسه لا يجوز عرض مثل تلك الأعمال، خاصة في شهر رمضان، لما حوته من مشاهد العنف، مثل مسلسل “أولاد مفيدة” الذي زادت فيه الجرعة.

ويقول بوعصيدة للجزيرة نت “للأسف مثلما يوجد جمهور مُنتقد، فهناك آخر متابع بشدة، وإلا لما حققت تلك المسلسلات نسب المشاهدة الكبيرة، فتصوير المجرمين بأنهم المثل، يعطي صورة سلبية للمجتمع”.

ويضيف بوعصيدة -الذي اعتذر عن كتابة الجزء الثاني من مسلسل “شورّب” بسبب رفضه كتابة جزء ثان من الأصل، واعتراضا أيضا على تصميم المخرج على إدراج مشاهد العنف والبلطجة داخل الأحداث- أن تجسيد الواقع من خلال الفن وتوصيل الرسائل حتى من خلال الشخصيات السلبية أمر مقبول، لكن الأزمة في كيفية التعاطي وإدارة الشخصية التي يتم “تكبيرها” وجعل المشاهد -خاصة الشباب- يحتذون بها، وهو ما يضرب الهوية في مقتل.

السيناريو.. الإشكالية الكبرى

المُسلسل التونسي الجزائري “مشاعر”، الذي يمتد أكثر من مئة حلقة وهو من إخراج التركي الألماني محمد الجوك الذي يتعاون مع فريق تقني تركي مختص تحديدا في إدارة التصوير والإضاءة والديكور، أثار إشكالية أخرى عن مدى حرفية كتاب السيناريو في تونس، حيث كتب على “التتر” أن السيناريو كُتب بإشراف تركي، دون كتابة اسم المؤلف، وهو ما يُعيد طرح السؤال: هل تعاني تونس ضعفا في كتابة السيناريو لدرجة أن أغلب حلقات المسلسلات التي تبث الآن لا تتجاوز الثلاثين دقيقة.

يشرح بوعصيدة أزمة الكتابة في تونس في معرض حديثه للجزيرة نت، فيقول “بالفعل يعاني الإنتاج الدرامي من مشكلات في كتابة السيناريو، وأزمة الكتابة موجودة في العالم العربي ككل، وليس تونس فقط، إلا أن الأمر في تونس أكثر صعوبة، فلا توجد معاهد أو مدارس لتدريس السيناريو من الأساس، اللهم إلا بضعة أشخاص درسوا في الخارج”.

ويشير بوعصيدة إلى أن بعض الأعمال الرمضانية الحالية مثل “نوبة” تعاني خللا على مستوى الحوار الذي وصفه بالضعيف، وإن كانت حققت نسبة مشاهدة عالية.

وتابع أن كاتبي سيناريوهات بعض الأعمال الناجحة كانوا أصحاب تكوين عصامي على غرار حاتم بالحاج وعلي اللواتي.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.