عمره 107 سنوات.. شيخ الخطاطين بالمغرب ألهمه مصحف نادر

بين فرح وذهول، فخر وتأمل، ينتقل الخطاط عبد المولى نجمي من حالة تعبيرية إلى أخرى، وهو يحكي قصته الجميلة مع الخط المغربي والعربي والزخرفة الإسلامية وإبداعه فيهما.

بأناقته المعهودة، يجلس وسط أسرته بلباس مغربي أصيل، يتذكر الأيام الجميلة ويسرد الوصية تلو الأخرى للعناية بتراث متفرد، آملا في أن تتلقاها الآذان المصغية والنفوس الملهمة.

يقول هذا الشيخ بنبرة هادئة لا تخلو من لمسة روحية وعلامات الحبور بادية على وجهه للجزيرة نت، “أحمد الله أن ألهمني موهبة “نادرة” ومرتبطة بالقرآن الكريم، أفديها بروحي وقلبي”.

شيخ الخطاطين
يعتبر الفنان عبد المولى نجمي شيخ الخطاطين في المغرب حيث يبلغ من العمر 107 سنوات ويقطن حاليا بمدينة آسفي المغربية، حفظ القرآن وكتب المصحف كاملا بخطه في سن مبكرة بالبادية المغربية حيث ولد ونشأ.

ألهمته نسخة نادرة من القرآن الكريم ورثها عن أجداده عمرت لأزيد من خمسة قرون، كتبت بخط جميل جدا، ليتعلق بهذا الفن ويبرع فيه ويتفوق على أقرانه.

يقول الباحث والفنان المغربي محمد البندوري في تصريح للجزيرة نت، إن لأعمال الشيخ نجمي دلالات فنية وقيما معنوية ومناحي جمالية تشد البصر وتنفذ إلى الإحساس بقوتها الروحية.

تفرد
متسلحا بعزيمة طالب علم مجد، جال نجمي منتقلا بين مدارس علمية متعددة. يقول إن السفر منحه زادا علميا جعله متبحرا في علوم شتى. ويضيف أنه كتب في حياته أكثر من خمسمئة لوحة فنية، بأسلوبه الخاص الذي يجمع بين الرسم والعمارة.

بينما يشير الفنان المغربي عبد المالك الصالحي، إلى أن المثير في مسيرة الشيخ نجمي الفنية هو تفرد لوحاته ورسم مسار خاص به.

ويضيف للجزيرة نت، “ما أقدر فيه شخصيا هو تنقله لمسافة طويلة، بين مسقط رأسه بمنطقة الشياظمة (شمالي غرب المغرب) والصحراء (جنوبا) لتلقي العلم على يد شيوخ كبار أجلوه أيضا”.

تأمل
من يتأمل لوحات الخطاط نجمي بعين الخبير المطلع، يجدها تنتمي إلى مدرسة خطية مغربية قائمة بذاتها، إذ يأخذ من الأنواع الخطية المغربية كل الأسس الجمالية ومن الزخارف كل المحسنات الزخرفية، فيرسم مساحة متفردة من خلال صنعه لشكل خطي مغربي خاص به.

يشرح الأكاديمي محمد البندوري، “تقع لوحات نجمي في منزلة بين الخط المغربي المبسوط والخط المغربي المجوهر، وهو ما يمنحها تفردا وقوة إبداعية وجمالية”.

حكاية لقب
لقب هذا الفنان المغربي بـ”نجمي” بعدما كتب لوحة قرآنية لسورة النجم بخط جميل، فأصبح أساتذته ومعارفه ينادونه بهذا اللقب تكريما له ولما صنعت يداه.

سار نجمي في درب الفن دون أن يكترث إلى مغريات الحياة، يقسم حياته بين شغله ككاتب، وأعمال الفلاحة.

لكن الخط شغل روحه وقلبه، إذ ما ينفك يعود إليه كلما فرغ من عمل آخر. بينما يؤكد الأكاديمي البندوري أن هذا الخطاط وظف الخط لبعث الجمال مقرونا بالزخرفة العربية الإسلامية والزخرفة الأمازيغية مستنطقا التراث العربي والأمازيغي في مشهد فني موحد.

مقاومة
شكلت لوحات نجمي محل إزعاج للمستعمر، إذ استدعي للتحقيق معه بسببها، لما تضمنته من “رسائل مشفرة”.

يروي الشيخ نجمي بروح نكتة ظاهرة أن البوليس الاستعماري صادر ثلاثا من لوحاته كتب فيها آية قرآنية تحث على الصبر في المعركة، فهم منها أنه يحث على المقاومة.

ويشرح -وهو ينظر إلى تلك اللوحة التي يحتفظ بها بعد مرور سنين عديدة- “عرضوا عليّ منصب “عدول” (مأذون شرعي)، مقابل التخلي عن كتابة الخط العربي، فرفضت”.

جوائز
شارك الشيخ نجمي في معارض فردية وجماعية بالداخل والخارج، وحاز على جوائز متعددة.

يذكر ويعيد باعتزاز كبير قصة جائزة بمسابقة مغاربية، فاز برتبتها الثانية بالرغم من أنه كان منشغلا في عمله داخل معصرة للزيتون، وحدها لوحاته دافعت عنه أمام لجنة التحكيم خلال غيابه، كما يقول الصالحي.

لكن المعرض الذي حمل اسم “الخط المغربي” بمدينة دوسلدورف، يعتبره الشيخ نجمي مفخرته الأولى، ويروي أن خبراء ألمانيين اطلعوا على لوحاته، لكنهم فضلوا الاتصال به مباشرة ليشاهدوا بأعينهم ما تخطه يداه فاندهشوا بذلك.

شعر وتكريم
إلى جانب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، كتب نجمي أشعارا جاد بها من مخيلته وبسليقته، فوازن بين الخط والشعر وأحدث موسيقى من خلال سيمفونية ذات إيقاع موحد في الخط والشعر.

لا تمر أيام دون أن يزوره أحد أو بعض معجبيه، لينهلوا من كلامه المرصع بأمثال وحكم. وبين هؤلاء محمد الإدريسي رئيس جمعية مدنية، والذي يقول للجزيرة نت “الشيخ نجمي يستحق أكثر من تكريم، والاستعدادات جارية منذ الآن للاحتفاء به نهاية السنة الجارية”.

لا يمل الشيخ نجمي من حديث لا يريده أن ينتهي، ومن بين شفتيه تخرج كلمات تدعو إلى العناية بالخط العربي والمغربي وبكل شيء جميل.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.