عشر إضاءات للوالدين قبل المجالس العائلية العشرة لوقاية أبنائنا من الإلحاد والشكوك العقدية.

د. أحمد زايد

عندما يريد الفلاح أن يغرس أرضه فإنه يهيئها لذلك لتصبح صالحة للغرس الأصلي المراد، حتى لا تأكله الحشائش الضارة، ولا تأتي عليه الآفات المهلكة، فتجد الفلاح يقاوم كل ضار من الحشرات والديدان، ويتابع ري أرضه، وسمادها، آملا أن يثمر هذا الغرس ويشتد ذلك الزرع، فيرى ثمرة عمله وجهده.
ومثل ذلك بل أهم منه تلك البيئة المنزلية والعائلية التي ينشأ فيها أولادنا، إذ لابد من تهيئة الجو العائلي المنزلي ليكون جوا صالحا يعيش فيه أبناؤنا في أمن نفسي، وسلام اجتماعي مناسب لغرس العقيدة الإسلامية، والسير مع تلك العلمية الخطيرة حتى تثبت عقائدهم، ويرسخ إيمانهم في تلك القلوب الغضة، لتثمر بعد ذلك عملا وخلقا وحركة، وتكون محصنة ضد أي شبهة، مقاومة لأية شكوك. ولهذا أنصح من كل قلبي كل (أب وأم) مشفق على أبنائه حريص على زرعه، بالنصائح الآتية قبل أن تأتيكم كلمات المجالس العائلية العشرة التي سنكتبها إليكم إن شاء الله:

1⃣صلاح الأبوين، وأكل الحلال وترك الشبهات في المطعم والمشرب والملبس والمركب هو ( سر صلاح الذرية) فراجعوا أيها الآباء والأمهات حالكم مع ربكم، وفتشوا عن هذا السر في قلوبكم.
2⃣البيوت التي يشيع فيها التراحم بين الزوجين، والود والمحبة بين الأولاد، والتواصل بين الجميع دون عنف أو تعنيف هي البيوت الصالحة والمهيأة لغرس العقيدة الصحيحة، حيث النفوس السوية والقلوب الصافية، وأما البيوت التي يسودها العنف والقهر فهي جديرة بخلق نفوس معوجة وغالبا ما ينحرف أولادها بدرجات متفاوتة تصل أحيانا إلى الإلحاد (والتجارب شاهدة على ذلك).
فتراحموا أيها الآباء والأمهات، أوعلى الأقل أخفوا مشاكلكم وخلافاتكم عن أولادكم ولا تحولوا البيوت إلى جحيم لأسباب شخصية تافهة. يكون الأولاد فيها هم الضحية.
3⃣البيوت التي يذكر فيها الله، وتعظم فيها حرماته، هي البيوت الجديرة بأن تتهيأ قلوب أبنائها لغرس العقيدة الصحيحة، بخلاف تلك البيوت التي يستهان فيها بالدين، ولا تُعظَّم فيها الحرمات، فإنها مأوى الشياطين، ومتى سكن الشيطان موطنا حل الخراب والشقاق والشك.
4⃣البيوت المتفاهمة التي تعلو فيها قيمة النقاش والحوار، وتجيد فنون الاستماع للأولاد، وتوفر أوقاتا رئيسة وغالية للجلوس معهم، بيوت صالحة لغرس عقيدة صافية سليمة، بخلاف تلك البيوتات التي ليس فيها إلا صوت واحد ونغمة واحدة، نغمة الأمر والنهي والصوت العالي دون فهم ولا نقاش، فهي بيئة مرضية غير صحية لا تنمو فيها إلا الشكوك والجراثيم النفسية والفكرية.
5⃣لكل داء دواء ولكل سؤال جواب، فلا تغلق أيها الأب وأيتها الأم الباب أمام أي سؤال يرد عليكما من أولادكما مهما كان موضوع السؤال، فكبت الأولاد وزجرهم عن الأسئلة ولو كانت غريبة لا يحل المشكلة ولا يجعلهم ينسون، بل يرون ذلك ضعفا فيك أيها الأب وأيتها الأم، ثم ينسحب ذلك على الدين نفسه فيرونه دينا ضعيفا غير قادر على مواجهة تساؤلاتهم أو حتى شكوكهم.
6⃣البيوت التي لا تعرف القراءة، ولا يرى أبناؤها الكتب، ولا يرون الوالدين حريصين على الاطلاع والتعلم، بيوت يزدري الأبناء فيها العلم، ويهربون من التعلم، ولا يثقون في توجيهات آبائهم وأمهاتهم، فيترسخ الجهل حينئذ، والجهل هو البيئة الجاهزة للشبهات والشكوك.
7⃣إن جو الحرية المنضبطة، جو صحي صالح للفهم والتفهيم، والإفصاح عما في النفس، وهذا كفيل بتفتح العقول واستعداد النفوس وهذه هي الفرصة الذهبية لغرس العقائد بصورة مناسبة في أبنائنا.
8⃣الاستمرار في التوجيه، ومتابعة الإرشاد بصورة دائمة ومنتظمة ولو بتوجيهات قليلة محدودة له فوائد وثمرات ونتائج مبهرة بفضل الله، بخلاف الأعمال المنقطعة، التي لا تأخذ صفة الدوام والمتابعة والاستمرار (تلك سنة ثابتة في كون الله) فأمامكم أيها الآباء طريق طويل لا ينتهي من العمل والتوجيه والشرح والإقناع والتواصل، ولكنه مع طوله عظيم أجره، جزيل ثوابه.
9⃣إن حرص الوالدين على أولادهما، ودوام التفكير في جودة تربيتهم، والانشغال بذلك كأولوية يولد لديهما القدرة على ابتكار الوسائل اللائقة والمناسبة والمؤثرة في الأولاد، كل حسب إمكاناته وقدراته، وأما اعتبار أن الأمر هين ولا يحتاج إلى حرص واجتهاد فهذا معناه الضياع، فليست الحياة طعاما وشرابا وفراشا ومدارس وجامعات.
التعليم والتدريس والنقاش والبحث والنظر والتفكير خير وسياسي لتعليم العقيدة، قد يُقبل التلقين لمدة وبجرعات معينة، لكن لا يقبل التلقين الدائم، ولا التوجيه المستمر إن خلا من التدريس والنقاش والبحث والتفكير والإقناع، ولا تغتر بمجرد التسليم السطحي من الأولاد لكلامك ما لم تظهر لديك قرائن الاقتناع والفهم.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.