عسى ان يهديني سواء السبيل

‏‏‏‏‏‏(ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)
اعلم أن الناس اختلفوا في قوله : ( ولما توجه تلقاء مدين) قال بعضهم : إنه خرج وما قصد مدين ، ولكنه سلم نفسه إلى الله تعالى ، وأخذ يمشي من غير معرفة ، فأوصله الله تعالى إلى مدين ، وهذا قول ابن عباس . وقال آخرون : لما خرج قصد مدين ؛ لأنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة ؛ لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم عليه السلام ، وهو كان منبني إسرائيل ، لكن لم يكن له علم بالطريق ، بل اعتمد على فضل الله تعالى ، ومن الناس من قال : بل جاءه جبريلعليه السلام ، وعلمه الطريق . وذكر ابن جرير عن السديلما أخذ موسى عليه السلام في المسير جاءه ملك على فرس ، فسجد له موسى من الفرح ، فقال : لا تفعل واتبعني ، فاتبعه نحو مدين . واحتج من قال : إنه خرج وما قصدمدين بأمرين :
أحدهما : قوله : ( ولما توجه تلقاء مدين ) ولو كان قاصدا للذهاب إلى مدين لقال ، ولما توجه إلى مدين ، فلما لم يقل ذلك ، بل قال : ( توجه تلقاء مدين ) علمنا أنه لم يتوجه إلا إلى ذلك الجانب من غير أن يعلم أن ذلك الجانب إلى أين ينتهي .
والثاني : قوله : ( عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) وهذا كلام شاك لا عالم ، والأقرب أن يقال : إنه قصد الذهاب إلى مدين ، وما كان عالما بالطريق . ثم إنه كان يسأل الناس عن كيفية الطريق ؛ لأنه يبعد من موسى عليه السلام في عقله وذكائه أن لا يسأل ، ثم قال ابن إسحاق : خرج من مصر إلى مدين بغير زاد ولا ظهر ، وبينهما مسيرة ثمانية أيام ، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر .
أما قوله : ( عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) فهو نظير قول جده إبراهيم عليه السلام : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) ( الصافات : 99 ) وموسى عليه السلام قلما يذكر كلاما في الاستدلال والجواب والدعاء والتضرع إلا ما ذكره إبراهيم عليه السلام ، وهكذا الخلف الصدق للسلف الصالح صلوات الله عليهم وعلى جميع الطيبين المطهرين.

لم يفتر موسى عليه السلام عن الدعاء في كل أمر من أمور حياته حتى معرفة سبيل السفر ، الدعاء
اعتراف منك بقدرة ربك وحاجتك لنصره وتأييده ،وطمأنينة تمحو بها مخاوف قلبك. فإذا اشتبهَت عليك الأمور، وحِرتَ أيَّ سبيل تسلك، فتوجَّه إلى ربِّك موقنًا صادقًا، وسترى الهدايةَ من ربِّك لأفضل سبيل وأقومها.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.