ظاهرة الإهانة وقبول المهانة

بقلم : ⁨منير شفيق⁩

ثمة ظاهرة جديدة ابتدعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السياسة الدولية، وعلى التحديد في التعامل بين أمريكا وكل من خصومها وحلفائها على حد سواء، وهي ظاهرة توجيه الإهانة ووضع الآخر في المهانة، أو ظاهرة سقوط الحد الأدنى من الاحترام في معاملة الآخر، وسقوط الحد الأدنى من احترام النفس من جانب المتعامل مع أمريكا أو الراضي بالاستجابة لما تطلبه منه.

قد يعتبر البعض أن هذه الظاهرة شكلية، وتتعلق بالشكل لا بالجوهر، أو المحتوى. ولكن لا يلحظ هذا البعض أن الشكل يظل مهماً في العلاقات الدولية، ويظل مهماً لعلاقة المعني بشعبية وسمعة دولته وكرامته الشخصية، بل ويظل مهماً حتى للمحتوى أو هكذا كان العرف السابق في الأقل.

فعلى سبيل المثال، فاجأ ترامب العالم، عندما وجه كلامه للقادة السعوديين، قائلاً، بما معناه: لولا حمايتنا لكم لما بقيتم أسبوعين من دوننا. لهذا عليكم أن تدفعوا مقابل ذلك، وأنتم أثرياء.
 
فاجأ القادة السعوديون العالم حين ابتلعوا هذه الإهانة، وقابلوها بابتسامة ورضا، كأنهم سمعوا مديحاً وتقريظاً، ونسوا كل ما يدعونه من دور قيادي في العالم الإسلامي
وفاجأ القادة السعوديون العالم حين ابتلعوا هذه الإهانة، وقابلوها بابتسامة ورضا، كأنهم سمعوا مديحاً وتقريظاً، ونسوا كل ما يدعونه من دور قيادي في العالم الإسلامي، والتحكم بالأمانة العامة لمؤتمر التعاون الإسلامي، هذا من دون نسيان الادعاء بحماية الكعبة وتأمين حج ملايين المسلمين ورعايته.

كيف لا يراعي دونالد ترامب بعض ذلك إن لم يكن كله؟ وكيف لا يهتم بالمحافظة على ظاهر الموقف السعودي في الأقل، وهو الذي يريد أن يكون أداته بين العرب والمسلمين، بما في ذلك في تصفية القضية الفلسطينية؟

حقاً إنه استهتار بالسعودية بلا حدود. إنه استهتار بالشعب أيضاً حين يهين قادته، وحين يبتلعون الإهانة ويقبلون بالمهانة ولا يُرد عليها، ولو بالحد الأدنى. ثم هو استهتار بكل من يتعامل مع السعودية دولاً وأفراداً، أو سياسياً وإعلامياً.
 
الإشكال الأهم هنا يتعلق بأمريكا نفسها؛ كيف تحتمل أن يكون لها رئيس يتعامل بعيداً عن كل احترام للنفس، أو لهيبة الدولة، أو للحلفاء؟
على أن الإشكال الأهم هنا يتعلق بأمريكا نفسها؛ كيف تحتمل أن يكون لها رئيس يتعامل بعيداً عن كل احترام للنفس، أو لهيبة الدولة، أو للحلفاء؟

صحيح أن أمريكا قامت على الانتصار في حربين عالميتين، كما على عشرات حروب الغزو والاحتلال والانقلابات العسكرية، ولكنها كانت تغلف علاقاتها بدرجة من مراعاة هيبة حلفائها وعملائها، ولو بالحد الأدنى من الاحترام الشكلي. طبعاً كانت تفلت حالات، أما ترامب فقد راح يتعمد إهانة حلفائه ومن يقترب منه، راضياً أو سُخرة أو ابتزازاً. فإلى متى يمكن أن تحتمل أمريكا مثل هذا الرئيس؟ وإلى متى يمكن للحلفاء أو للخاضعين كرهاً، أو عن رضا، أن يعيشوا مع الإهانة، وفي المهانة، ويكونوا حكاماً من دون احترام للنفس؟

في الأسبوعين الماضيين شهدت تلك الظاهرة مثلين صارخين بالإهانة وقبول المهانة، “كأن شيئاً لم يكن”.

المثل الأول التعامل الأمريكي مع السودان، حكومة مدنية وقيادة عسكرية وشعباً منكوباً.

لندع جانباً المحتوى السياسي الكارثي بانضمام السودان حكومة وقيادة عسكرية للخضوع لدونالد ترامب، والذهاب باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني، وذلك بالرغم من رفض شعبي أكيد، واعتراض نخب وقيادات مرموقة.

لم يكتف بلقاء رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبد الفتاح البرهان بنتنياهو، وإبداء الاستعداد للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فكل هذا غير كافٍ إلا إذا قرن بإعلان اتفاق تحالفي مع نتنياهو من نمط اتفاق محمد بن زايد وملك البحرين
فقد صاحب هذا الخضوع توجيه الإهانة إلى حد الإذلال، ليس للقادة المعنيين فحسب، وإنما أيضاً للسودان كله، وذلك حين لم يكتف دونالد ترامب بكل ما قدموه طلباً لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، إذ لم يبق إلا الركوع على الركبتين وتقبيل اليدين. لم يكتف بلقاء رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبد الفتاح البرهان بنتنياهو، وإبداء الاستعداد للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فكل هذا غير كافٍ إلا إذا قرن بإعلان اتفاق تحالفي مع نتنياهو من نمط اتفاق محمد بن زايد وملك البحرين، يعني التوقيع بالإكراه، وعدم القبول بالتأجيل.

رئيس الحكومة أعطى سبباً يتعلق بكون السودان يمر بمرحلة انتقالية، ويحتاج لاستكمال مؤسساته للشرعية من خلال الانتخابات، مع وعد بالتطبيع.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.