صفاء ليلة القدر

حسام الدين السنوسي

راقب صفاءَ ليلة القدر وسكونها وطمأنينتها في قلبِك لأن تلك هي العلامة؛ فإذا لم تكن هي ليلةَ القدر التي أُنزِل فيها القرآن كانت الليلة التي تسمو بك وتأتي بك على قدَر لترفعك إلى القرآن وتجديد العهد به، فليست عظَمةُ رفعك إلى سماءِ القرآن بأقلّ عظمة وقدسية من ليلةِ نزول القرآن إلى الأرض؛ فكيف إذا اجتمعا !..

فلا تشغل نفسك بالعلامات المنظورةِ خارجك وفتّش عن الإشارات والنفحات المبثوثة داخلك ومدّ يدك لحبالِ الجذب الملقاة إليك؛ وقل “يا بُشرى” للنفحات، واركب بساطَ “هُنالِكَ” بالمناجاة، وضع بالإقرار بضاعتك المزجاة، وقل بالافتقار “أصَابَنا” وبحسنِ الظن بالغفّارِ “أوفِ لنا الكيل”..

ثم اقطع فيافي وقفار باطنك بحثا عنك لترجع بأحسن ما فيك؛ لتنال الرفع على العرش، ولا تجعل سابقَ التقصير فيما فات يحجزك عن واجب التشمير فيما هو آت؛ فالعبرة بمن داومَ وصدَق لا بمن أكثرَ وسبَق..

تخيَّل أنها صحراء قاحلة، وبها طرق كثيرة لعبور القوافل، فاجتهدتَ فجعلتَ في واحد منها بئرا للسقاية ودارا للراحة في سبيل الله وذلك ما بلغه جهدُك، هَب أن القوافل غيّرت خط سفرها إلى غيرِه، هل يحرمُك ذلك من الأجر كما لو أنهم وردوه وسقوا منه وارتاحوا ودعوا لك ؟

الأعمال في باب الاحتمالات تُقاس بالنيّة والتحسّس والاجتهاد فلو أنك قُمتَها إيمانا واحتسابا وفي نيتك أنها هي، فهل يغيّر عدم تحقق ذلك من كونِكَ مستحقا لأجرها، فليلةُ القدر الحقيقية هي التي تتحراها في نفسك أولا، التي تصطنعُك فتأتي على قَدَر ..

فتغشاك السكينَة وتغمرك النفحات والنسمات اللطيفة، وتدعوا موقنا بالإجابة، وتعتذرُ عما سلَف وتعاهد على الثورة وتبايع على الثبات، ثم تشرقُ شَمسُ يومكَ الجديد شفّافة من غيرِ شُعاع نقية بريئة صافية كيومِ ولدتكَ أمك، تبدأ عهدكَ الجديد وقد جبَّت الليلةُ ما قبلها، وعفا الله عمّا سلَف ..

ذهبَ الإقرارُ بالتقصير، وجاءَ الاستغفارُ عمّا كان َبالقَبول، وطلبِ التشمير لِما سيكون، ثم يصبحُ تذكّرُ مواقفِ الجفوة في لحظاتِ الصفاءِ جفاءً. لا تُطلَبُ المُحفّزاتُ لِذاتِها بل لِما تحفّزكَ وتشحنُكَ وتُعدُّكَ لَه، فما جُعِلت (عَلَىٰ قَدَرٍ) إلا لتسبِقَ (اذْهَبْ) وكلاهُما في “طه”، وما جُعِلت طه إلا لتكون فرقانا ولتُنجِبَ فاروقا.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.